وأراهم أبدعوا وأعجبوا إذ جعلوا علم ذاته تعالى مشتقا من اسم الجنس المؤذن بمفهوم الألوهية تنبيها على أن ذاته تعالى لا تستحضر عند واضح العلم وهو الناطق الأول بهذا الاسم من أهل اللسان إلا بوصف الألوهية (١) وتنبيها على أنه تعالى أولى من يؤلّه ويعبد لأنه خالق الجميع فحذفوا الهمزة من الإله لكثرة استعمال هذا اللفظ عند الدلالة عليه تعالى كما حذفوا همزة الأناس فقالوا النّاس ؛ ولذلك أظهروها في بعض الكلام. قال البعيث بن حريث (٢).
معاذ الإله أن تكون كظبية |
|
ولا دمية ولا عقيلة ربرب |
كما أظهروا همزة الأناس في قول عبيد بن الأبرص الأسدي :
إن المنايا ليطّلع |
|
ن على الأناس الآمنين |
ونزّل هذا اللفظ في طوره الثالث منزلة الأعلام الشخصية فتصرفوا فيه هذا التصرف لينتقلوا به إلى طور جديد فيجعلوه مثل علم جديد ، وهذه الطريقة مسلوكة في بعض الأعلام. قال أبو الفتح بن جني في شرح قول تأبط شرا في النشيد الثالث عشر من «الحماسة» :
إني لمهد من ثنائي فقاصد |
|
به لابن عم الصدق شمس بن مالك |
__________________
(١) فيكون وصف الألوهية طريقا لاستحضار الذات المقصودة بالعلية ولذلك لا يجعل الاسم العلم وصفا قال السيد في «شرح الكشاف» : الاسم قد يوضع لذات مبهمة باعتبار معنى يقوم بها فيتركب مدلوله من صفة معنى ومن ذات مبهمة فيصح إطلاق الاسم على كل متصف بتلك الصفة وهذا يسمى صفة ولذلك المعنى المعتبر فيه يسمى مصحح الإطلاق كالمعبود مثلا. وقد يوضع لذات معينة من غير ملاحظة شيء من المعاني القائمة بها وهذا يسمى اسما لا يشتبه بالصفة كإبل وفرس ، وقد يوضع لذات معينة ويلاحظ عند الوضع معنى له نوع تعلق بها. وذلك نوعان : الأول أن يكون المعنى خارجا عن الموضوع له ولكنه سبب باعث على تعيين الاسم بإزائه كأحمر إذا جعل علما لمولود فيه حمرة. النوع الثاني أن يكون ذلك المعنى داخلا في مفهومه كأسماء الزمان والمكان وهذان النوعان شديدا الاشتباه بالصفات ، ومعيار الفرق أنهما يوصفان ولا يوصف بهما ا ه يعني والإله من النوع الأول من القسم الثالث.
(٢) وبعد البيت :
ولكنها زادت على الحسن كله |
|
كمالا ومن طيب على كل طيب |
وهذا من التنزيه على التشبيه وهذا الشاعر غير مولد كما هو ظاهر كلام المعري الذي نقله الخطيب التبريزي في «شرحه على الحماسة».