ملاحظة معانيها الأصلية ، وهذا من المستفادات من الكلام بطريق الاستتباع لأنه لما كان في ذكر الوصف غنية عن ذكر الموصوف لا سيما إذا كان الوصف منزلا منزلة الاسم كأوصافه تعالى وكان في ذكر لفظ الموصوف أيضا غنية في التنبيه على استحقاق الحمد المقصود من الجملة علمنا أن المتكلم ما جمع بينهما إلا وهو يشير إلى أن كلا مدلولي الموصوف والصفة جدير بتعلق الحمد له مع ما في ذكر أوصافه المختصة به من التذكير بما يميزه عن الآلهة المزعومة عند الأمم من الأصنام والأوثان والعناصر كما سيأتي عند قوله تعالى : ملك يوم الدين.
والرب إما مصدر وإما صفة مشبهة على وزن فعل من ربّه يربّه بمعنى رباه وهو رب بمعنى مربّ وسائس. والتربية تبليغ الشيء إلى كماله تدريجا ، ويجوز أن يكون من ربه بمعنى ملكه ، فإن كان مصدرا على الوجهين فالوصف به للمبالغة ، وهو ظاهر ، وإن كان صفة مشبهة على الوجهين فهي واردة على القليل في أوزان الصفة المشبهة فإنها لا تكون على فعل من فعل يفعل إلا قليلا ، من ذلك قولهم نمّ الحديث ينمّه فهو نمّ للحديث.
والأظهر أنه مشتق من ربّه بمعنى رباه وساسه ، لا من ربه بمعنى ملكه لأن الأول الأنسب بالمقام هنا إذ المراد أنه مدبر الخلائق وسائس أمورها ومبلغها غاية كمالها ، ولأنه لو حمل على معنى المالك لكان قوله تعالى بعد ذلك ملك يوم الدين كالتأكيد والتأكيد خلاف الأصل ولا داعي إليه هنا ، إلا أن يجاب بأن العالمين لا يشمل إلا عوالم الدنيا ، فيحتاج إلى بيان أنه ملك الآخرة كما أنه ملك الدنيا ، وإن كان الأكثر في كلام العرب ورود الرب بمعنى الملك والسيد وذلك الذي دعا صاحب «الكشاف» إلى الاقتصار على معنى السيد والملك وجوز فيه وجهي المصدرية والصفة ، إلا أن قرينة المقام قد تصرف عن حمل اللفظ على أكثر موارده إلى حمله على ما دونه فإن كلا الاستعمالين شهير حقيقي أو مجازي والتبادر العارض من المقام المخصوص لا يقضي بتبادر استعماله في ذلك المعنى في جميع المواقع كما لا يخفي. والعرب لم تكن تخص لفظ الرب به تعالى لا مطلقا ولا مقيدا لما علمت من وزنه واشتقاقه. قال الحرث بن حلزة :
وهو الرب والشهيد على يو |
|
م الحيارين والبلاء بلاء |
يعني عمرو بن هند. وقال النابغة في النعمان بن الحارث :
تخبّ إلى النعمان حتى تناله |
|
فدى لك من ربّ طريفي وتالدي |
وقال في النعمان بن المنذر حين مرض :