على مراحل» (١).
ولعلمي البيان والمعاني مزيد اختصاص بعلم التفسير لأنهما وسيلة لإظهار خصائص البلاغة القرآنية ، وما تشتمل عليه الآيات من تفاصيل المعاني وإظهار وجه الإعجاز ولذلك كان هذان العلمان يسميان في القديم علم دلائل الإعجاز قال في «الكشاف» : «علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه كلّ ذي علم ، فالفقيه وإن برّز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام ، والمتكلم وإن بز أهل الدنيا في صناعة الكلام ، وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القريّة أحفظ ، والواعظ وإن كان من الحسن البصري أوعظ ، والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه ، واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه ، لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق ، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق ، إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن وهما علما البيان والمعاني ا ه» (٢).
وقال في تفسير سورة الزمر [٦٧] عند قوله تعالى : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) : «وكم من آية من آيات التنزيل وحديث من أحاديث الرسول ، قد ضيم وسيم الخسف ، بالتأويلات الغثة ، والوجوه الرثة ، لأن من تأوّلها ليس من هذا العلم عير ولا نفير ، ولا يعرف قبيلا منه من دبير» يريد به علم البيان.
وقال السكاكي في مقدمة القسم الثالث من كتاب «المفتاح» : «وفيما ذكرنا ما ينبّه على أن الواقف على تمام مراد الحكيم تعالى وتقدس من كلامه مفتقر إلى هذين العلمين (المعاني والبيان) كلّ الافتقار ، فالويل كلّ الويل لمن تعاطى التفسير وهو فيهما راجل».
قال السيد الجرجاني في «شرحه» : «ولا شك أن خواص نظم القرآن أكثر من غيرها فلا بد لمن أراد الوقوف عليها ، إن لم يكن بليغا سليقة ، من هذين العلمين. وقد أصاب (السكاكي) بذكر الحكيم المحزّ ، أي أصاب المحزّ إذ خصّ بالذكر هذا الاسم من بين الأسماء الحسنى ، لأن كلام الحكيم يحتوي على مقاصد جليلة ومعاني غالية ، لا يحصل الاطلاع على جميعها أو معظمها إلا بعد التمرس بقواعد بلاغة الكلام المفرغة فيه ، وفي قوله ينبه إشارة إلى أن من حقه أن يكون معلوما ولكنه قد يغفل عنه ، وقوله فالويل كل الويل تنفير ، لأنّ من لم يعرف هذين العلمين إذا شرع في تفسير القرآن واستخراج لطائفه
__________________
(١) انظره عند قوله تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) في سورة البقرة [١٥].
(٢) ديباجة «الكشاف».