وقرأ الجمهور (ملك) بفتح الميم وكسر اللام دون ألف ورويت هذه القراءة عن النبي صلىاللهعليهوسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر في «كتاب الترمذي». قال ابن عطية : حكى أبو على عن بعض القراء أن أول من قرأ (ملك يوم الدين) مروان بن الحكم فرده أبو بكر بن السراج بأن الأخبار الواردة تبطل ذلك فلعل قائل ذلك أراد أنه أول من قرأ بها في بلد مخصوص. وأما قراءة (مالك) بألف بعد الميم بوزن اسم الفاعل فهي قراءة عاصم والكسائي ويعقوب وخلف ، ورويت عن عثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وطلحة والزبير ، ورواها الترمذي في «كتابه» أنها قرأ بها النبي صلىاللهعليهوسلم وصاحباه أيضا. وكلتاهما صحيحة ثابتة كما هو شأن القراءات المتواترة كما تقدم في المقدمة السادسة. وقد تصدى المفسرون والمحتجون للقراءات لبيان ما في كل من قراءة (ملك) ـ بدون ألف ـ وقراءة (مالك) ـ بالألف ـ من خصوصيات بحسب قصر النظر على مفهوم كلمة ملك ومفهوم كلمة (مالك) ، وغفلوا عن إضافة الكلمة إلى يوم الدين ، فأما والكلمة مضافة إلى يوم الدين فقد استويا في إفادة أنه المتصرف في شئون ذلك اليوم دون شبهة مشارك. ولا محيص عن اعتبار التوسع في إضافة (ملك) أو (مالك) إلى (يوم) بتأويل شئون يوم الدين. على أن (مالك) لغة في (ملك) ففي «القاموس» : «وكأمير وكتف وصاحب ذو الملك».
ويوم الدين يوم القيامة ، ومبدأ الدار الآخرة ، فالدين فيه بمعنى الجزاء ، قال الفند الزماني (١) :
فلما صرّح الشرّ |
|
فأمسى وهو عريان |
ولم يبق سوى العدوا |
|
ن دنّاهم كما دانوا |
أي جازيناهم على صنعهم كما صنعوا مشاكلة ، أو كما جازوا من قبل إذا كان اعتداؤهم ناشئا عن ثأر أيضا ، وهذا هو المعنى المتعين هنا وإن كان للدين إطلاقات كثيرة في كلام العرب.
__________________
(١) الفند لقبه ، وأصل الفند بكسر الفاء الجبل ، واسمه شهل بن شيبان بشين معجمة وليس في أسماء العرب شهل بالشين المعجمة غيره ، وهو من شعراء حرب البسوس ، وإنما لقب الفند لأنه لما جاء لينصر بني بكر بن وائل قالوا ما يغني عنا هذا الهم ـ بكسر الهاء ـ أي الشيخ ، فقال لهم أما ترضون أن أكون لكم فندا تأوون إليه؟ أي معقلا ومرجعا في الرأي والحرب. والزماني ـ بكسر الزاي وتشديد الميم ـ نسبة لقبيلة هم أبناء عم بني حنيفة.