واعلم أن وصفه تعالى بملك يوم الدين تكملة لإجراء مجامع صفات العظمة والكمال على اسمه تعالى ، فإنه بعد أن وصف بأنه رب العالمين وذلك معنى الإلهية الحقة إذ يفوق ما كانوا ينعتون به آلهتهم من قولهم إله بني فلان فقد كانت الأمم تتخذ آلهة خاصة لها كما حكى الله عن بعضهم : (فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) [طه : ٨٨] وقال : (قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] وكانت لبعض قبائل العرب آلهة خاصة ، فقد عبدت ثقيف اللات قال الشاعر :
ووقرت ثقيف إلى لاتها (١)
وفي حديث عائشة في «الموطأ» : «كان الأنصار قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلّل» الحديث (٢).
فوصف الله تعالى بأنه رب العالمين كلهم ، ثم عقب بوصفي الرحمن الرحيم لإفادة عظم رحمته ، ثم وصف بأنه ملك يوم الدين وهو وصف بما هو أعظم مما قبله لأنه ينبئ عن عموم التصرف في المخلوقات في يوم الجزاء الذي هو أول أيام الخلود ، فملك ذلك الزمان هو صاحب الملك الذي لا يشذ شيء عن الدخول تحت ملكه ، وهو الذي لا ينتهي ملكه ولا ينقضي ، فأين هذا الوصف من أوصاف المبالغة التي يفيضها الناس على أعظم الملوك مثل ملك الملوك (شاهان شاه) وملك الزمان وملك الدنيا (شاه جهان) وما شابه ذلك. مع ما في تعريف ذلك اليوم بإضافته إلى الدين أي الجزاء من إدماج التنبيه على عدم حكم الله لأن إيثار لفظ الدين (أي الجزاء) للإشعار بأنه معاملة العامل بما يعادل أعماله المجزيّ عليها في الخير والشر ، وذلك العدل الخاص قال تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) [غافر : ١٧] فلذلك لم يقل ملك يوم الحساب فوصفه بأنه ملك يوم العدل الصّرف وصف له بأشرف معنى الملك فإن الملوك تتخلد محامدهم بمقدار تفاضلهم في إقامة العدل وقد عرف العرب المدحة بذلك. قال النابغة يمدح الملك
__________________
(١) تمامه :
بمنقلب الخائب الخاسر
كذا في «تاريخ العرب» في باب أديان العرب من كتابنا «تاريخ العرب قبل الإسلام» مخطوط.
(٢) في «الصحيحين» واللفظ للبخاري (ومناة) اسم صنم يعبده المشركون من العرب وهو صخرة كانوا يذبحون عندها. والمشلل ـ بضم الميم وفتح الشين المعجمة ولام مشددة مفتوحة ولام أخرى ـ اسم ثنية مشرفة على قديد بين مكة والمدينة.