وأما استعمال العرب ، فهو التملي من أساليبهم في خطبهم وأشعارهم وأمثالهم وعوائدهم ومحادثاتهم ، ليحصل بذلك لممارسة المولّد ذوق يقوم عنده مقام السليقة والسجية عند العربي القحّ «والذوق كيفية للنفس بها تدرك الخواص والمزايا التي للكلام البليغ» قال شيخنا الجد الوزير «وهي ناشئة عن تتبع استعمال البلغاء فتحصل لغير العربي بتتبع موارد الاستعمال والتدبر في الكلام المقطوع ببلوغه غاية البلاغة ، فدعوى معرفة الذوق لا تقبل إلا من الخاصة وهو يضعف ويقوى بحسب مثافنة ذلك التدبر» ا ه.
ولله دره في قوله المقطوع ببلوغه غاية البلاغة المشير إلى وجوب اختيار الممارس لما يطالعه من كلامهم وهو الكلام المشهود له بالبلاغة بين أهل هذا الشأن ، نحو «المعلقات» و«الحماسة» ونحو «نهج البلاغة» و«مقامات الحريري» و«رسائل بديع الزمان».
قال صاحب «المفتاح» قبيل الكلام على اعتبارات الإسناد الخبري «ليس من الواجب في صناعته وإن كان المرجع في أصولها وتفاريعها إلى مجرد العقل ، أن يكون الدخيل فيها كالناشئ عليها في استفادة الذوق منها ، فكيف إذا كانت الصناعة مستندة إلى تحكيمات وضعية واعتبارات إلفية ، فلا بأس على الدخيل في علم المعاني ، أن يقلد صاحبه في بعض فتاواه إن فاته الذوق هناك إلى أن يتكامل له على مهل موجبات ذلك الذوق ا ه».
ولذلك ـ أي لإيجاد الذوق أو تكميله ـ لم يكن غنى للمفسر في بعض المواضع من الاستشهاد على المراد في الآية ببيت من الشعر أو بشيء من كلام العرب لتكميل ما عنده من الذوق ، عند خفاء المعنى ، ولإقناع السامع والمتعلم الذين لم يكمل لهما الذوق في المشكلات.
وهذا ـ كما قلناه آنفا ـ شيء وراء قواعد علم العربية ، وعلم البلاغة به يحصل انكشاف بعض المعاني واطمئنان النفس لها ، وبه يترجح أحد الاحتمالين على الآخر في معاني القرآن ألا ترى أنه لو اطّلع أحد على تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) [الحجرات : ١١] ، وعرض لديه احتمال أن يكون عطف قوله : (وَلا نِساءٌ) على قوله : (قَوْمٌ) عطف مباين ، أو عطف خاص على عام فاستشهد المفسر في ذلك بقول زهير :
وما أدري وسوف إخال أدرى |
|
أقوم آل حصن أم نساء |
كيف تطمئن نفسه لاحتمال عطف المباين دون عطف الخاص على العام ، وكذلك