إذا رأى تفسير قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦] وتردد عنده احتمال أن الباء فيه للتأكيد أو أنها للتبعيض أو للآلة وكانت نفسه غير مطمئنة لاحتمال التأكيد إذ كان مدخول الباء مفعولا فإذا استشهد له على ذلك بقول النابغة :
لك الخير إن وارت بك الأرض واحدا |
|
وأصبح جدّ الناس يظلع عاثرا |
وقول الأعشى :
فكلنا مغرم يهوى بصاحبه |
|
قاص ودان ومحبول ومحتبل |
رجح عنده احتمال التأكيد وظهر له أن دخول الباء على المفعول للتأكيد طريقة مسلوكة في الاستعمال.
روى أئمة الأدب أن عمر بن الخطاب رضياللهعنه قرأ على المنبر قوله تعالى : (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) [النحل : ٤٧] ثم قال ما تقولون فيها أي في معنى التخوف ، فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا ، التخوف التنقص ، فقال عمر : وهل تعرف العرب ذلك في كلامها؟ قال نعم قال أبو كبير الهذلي :
تخوّف الرّحل منها تامكا قردا |
|
كما تخوّف عود النّبعة السّفن (١) |
فقال عمر : «عليكم بديوانكم لا تضلوا ، هو شعر العرب فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم» وعن ابن عباس «الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغتهم رجعنا إلى ديوانهم فالتمسنا معرفة ذلك منه» وكان كثيرا ما ينشد الشعر إذا سئل عن بعض حروف القرآن. قال القرطبي سئل ابن عباس عن السّنة في قوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) [البقرة : ٢٥٥] فقال النعاس وأنشد قول زهير :
لا سنة في طوال الليل تأخذه |
|
ولا ينام ولا في أمره فند |
وسئل عكرمة ما معنى الزنيم؟ فقال هو ولد الزنى وأنشد :
زنيم ليس يعرف من أبوه |
|
بغيّ الأمّ ذو حسب لئيم |
فمما يؤثر (٢) عن أحمد بن حنبل رحمهالله أنه سئل عن تمثل الرجل ببيت شعر لبيان معنى في القرآن فقال : «ما يعجبني» فهو عجيب ، وإن صح عنه فلعله يريد كراهة أن يذكر
__________________
(١) التامك : السنام ، وقرد بفتح القاف وكسر الراء : كثير القراد ، والسفن ـ بفتحتين ـ المبرد.
(٢) ذكره الألوسي.