الشعر لإثبات صحة ألفاظ القرآن كما يقع من بعض الملاحدة ، روى أن ابن الراوندي (١) (وكان يزنّ بالإلحاد) قال لابن الأعرابي : «أتقول العرب لباس التقوى» فقال ابن الأعرابي لا بأس لا بأس ، وإذا أنجى الله الناس ، فلا نجّى ذلك الرأس ، هبك يا بن الراوندي تنكر أن يكون محمد نبيا أفتنكر أن يكون فصيحا عربيا؟».
ويدخل في مادة الاستعمال العربي ما يؤثر عن بعض السلف في فهم معاني بعض الآيات على قوانين استعمالهم ، كما روى مالك في «الموطأ» عن عروة بن الزبير قال : «قلت لعائشة ـ وأنا يومئذ حديث السن ـ : أرأيت قول الله تعالى. (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) [البقرة : ١٥٨] ، فما على الرجل شيء أن لا يطوف بهما ، فقالت عائشة : كلا لو كان كما تقول ، لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ، إنما نزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة الطاغية ، وكانت مناة حذو قديد ، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله عن ذلك ، فأنزل الله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) الآية ا ه» ، فبينت له ابتداء طريقة استعمال العرب لو كان المعنى كما وهمه عروة ثم بينت له مثار شبهته الناشئة عن قوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ) الذي ظاهره رفع الجناح عن الساعي الذي يصدق بالإباحة دون الوجوب.
وأما الآثار فالمعنيّ بها ما نقل عن النبي صلىاللهعليهوسلم من بيان المراد من بعض القرآن في مواضع الإشكال والإجمال ، وذلك شيء قليل. قال ابن عطية عن عائشة «ما كان رسول الله يفسر من القرآن إلا آيات معدودات علمه إياهن جبريل» ، وقال معناه في مغيبات القرآن وتفسير مجمله مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف ، قلت : أو كان تفسيرا لا توقيف فيه ، كما بين لعدي بن حاتم أن الخيط الأبيض والخيط الأسود هما سواد الليل وبياض النهار ، وقال له «إنك لعريض الوسادة» ، وفي رواية «إنك لعريض القفا» وما نقل عن الصحابة الذين شاهدوا نزول الوحي من بيان سبب النزول ، وناسخ ومنسوخ ، وتفسير مبهم ، وتوضيح واقعة من كل ما طريقهم فيه الرواية عن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، دون الرأي وذلك مثل كون المراد من المغضوب عليهم اليهود ومن الضالين النصارى ، ومثل كون المراد من قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) [المدثر : ١١] الوليد بن المغيرة المخزومي أبا خالد بن الوليد ،
__________________
(١) توفي سنة ٢٤٠ ه.