الفعل بالصلاة من مصطلحات القرآن وقد جاء به القرآن في أوائل نزوله فقد ورد في سورة المزمل [٢٠] : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) وهي ثالثة السور نزولا. وذكر صاحب «الكشاف» وجوها أخر بعيدة عن مساق الآية.
وقد عبر هنا بالمضارع كما وقع في قوله : (يُؤْمِنُونَ) ليصلح ذلك للذين أقاموا الصلاة فيما مضى وهم الذين آمنوا من قبل نزول الآية ، والذين هم بصدد إقامة الصلاة وهم الذين يؤمنون عند نزول الآية ، والذين سيهتدون إلى ذلك وهم الذين جاءوا من بعدهم إذ المضارع صالح لذلك كله لأن من فعل الصلاة في الماضي فهو يفعلها الآن وغدا ، ومن لم يفعلها فهو إما يفعلها الآن أو غدا وجميع أقسام هذا النوع جعل القرآن هدى لهم. وقد حصل من إفادة المضارع التجدد تأكيد ما دل عليه مادة الإقامة من المواظبة والتكرر ليكون الثناء عليهم بالمواظبة على الصلاة أصرح.
والصلاة اسم جامد بوزن فعلة محرّك العين (صلاة) ورد هذا اللفظ في كلام العرب بمعنى الدعاء كقول الأعشى :
تقول بنتي وقد يمّمت مرتحلا |
|
يا ربّ جنّب أبي الأوصاب والوجعا |
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي |
|
جفنا فإن لجنب المرء مضطجعا |
وورد بمعنى العبادة في قول الأعشى :
يراوح من صلوات الملي |
|
ك طورا سجودا وطورا جؤارا (١) |
فأما الصلاة المقصودة في الآية فهي العبادة المخصوصة المشتملة على قيام وقراءة وركوع وسجود وتسليم. قال ابن فارس كانت العرب في جاهليتها على إرث من إرث آبائهم في لغاتهم فلما جاء الله تعالى بالإسلام حالت أحوال ونقلت ألفاظ من مواضع إلى مواضع أخر بزيادات ، ومما جاء في الشرع الصلاة وقد كانوا عرفوا الركوع والسجود وإن لم يكن على هاته الهيئة قال النابغة :
أو درة صدفيّة غوّاصها |
|
بهيج متى يرها يهلّ ويسجد (٢) |
__________________
(١) عائد إلى أيبلىّ في قوله قبله :
وما أيبلىّ على هيكل |
|
بناه وصلّب فيه وصارا |
والأيبلي الراهب.
(٢) يهل : أي يرفع صوته فرحا بما أتيح له ويسجد شكرا لله تعالى.