بعض العباد مشروطا بهذه الحالة النادرة ومع ذلك جعله مجازا بعيدا فما حكاه الله في القرآن من قول عيسى عليهالسلام : أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طائرا بإذن الله [آل عمران : ٤٩] وقول الله تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي) [المائدة : ١١٠] فإن ذلك مراعى فيه أصل الإطلاق اللغوي قبل غلبة استعمال مادة خلق في الخلق الذي لا يقدر عليه إلا الله تعالى. ثم تخصيص تلك المادة بتكوين الله تعالى الموجودات ومن أجل ذلك قال الله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤].
وجملة : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) تعليل للأمر باعبدوا فلذلك فصلت ، أي أمرتكم بعبادته لرجاء منكم أن تتقوا.
«ولعل» حرف يدل على الرجاء ، والرجاء هو الإخبار عن تهيئ وقوع أمر في المستقبل وقوعا مؤكدا ، فتبين أن لعل حرف مدلوله خبري لأنها إخبار عن تأكد حصول الشيء (١) ومعناها مركب من رجاء المتكلم في المخاطب وهو معنى جزئي حرفي. وقد شاع عند المفسرين وأهل العلوم الحيرة في محمل لعل الواقعة من كلام الله تعالى لأن معنى الترجي يقتضي عدم الجزم بوقوع المرجو عند المتكلم فللشك جانب في معناها حتى قال الجوهري : «لعل كلمة شك» وهذا لا يناسب علم الله تعالى بأحوال الأشياء قبل وقوعها ولأنها قد وردت في أخبار مع عدم حصول المرجو لقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف : ١٣] مع أنهم لم يتذكروا كما بينته الآيات من بعد.
ولهم في تأويل لعل الواقعة في كلام الله تعالى وجوه :
أحدها قال سيبويه : «لعل على بابها والترجي أو التوقع إنما هو في حيز المخاطبين ا ه. يعني أنها للإخبار بأن المخاطب يكون مرجوا ، واختاره الرضي قائلا لأن الأصل أن لا تخرج عن معناها بالكلية.
وأقول لا يعني سيبويه أن ذلك معنى أصل لها ولكنه يعني أنها مجاز قريب من معنى الحقيقة لوقوع التعجيز في أحد جزأي المعنى الحقيقي لأن الرجاء يقتضي راجيا ومرجوا
__________________
(١) وليس فيها معنى إنشائي طلبي ولذلك لم ينصبوا الفعل في جوابها بعد الفاء والواو بخلاف جواب التمني ولذلك لم ينصب فأطلع من قوله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ) [غافر : ٣٦ ، ٣٧] ، إلا في رواية حفص عن عاصم.