والتبشير الإخبار بالأمر المحبوب فهو أخص من الخبر. وقيد بعض العلماء معنى التبشير بأن يكون المخبر (بالفتح) غير عالم بذلك الخبر والحق أنه يكفي عدم تحقق المخبر (بالكسر) علم المخبر (بالفتح) فإن المخبر (بالكسر) لا يلزمه البحث عن علم المخاطب فإذا تحقق المخبر علم المخاطب لم يصح الإخبار إلا إذا استعمل الخبر في لازم الفائدة أو في توبيخ ونحوه.
والصالحات جمع صالحة وهي الفعلة الحسنة فأصلها صفة جرت مجرى الأسماء لأنهم يقولون صالحة وحسنة ولا يقدرون موصوفا محذوفا قال الحطيئة :
كيف الهجاء وما تنفكّ صالحة |
|
من آل لأم بظهر الغيب تأتينا |
وكأنّ ذلك هو وجه تأنيثها للنقل من الوصفية للاسمية.
والتعريف هنا للاستغراق وهو استغراق عرفي يحدد مقداره بالتكليف والاستطاعة والأدلة الشرعية مثل كون اجتناب الكبائر يغفر الصغائر فيجعلها كالعدم.
فإن قلت : إذا لم يقل وعملوا الصالحة بالإفراد فقد قالوا إن استغراق المفرد أشمل من استغراق المجموع ، قلت تلك عبارة سرت إليهم من كلام صاحب «الكشاف» في هذا الموضع من تفسيره إذ قال : «إذا دخلت لام الجنس على المفرد كان صالحا لأن يراد به الجنس إلى أن يحاط به وأن يراد به بعضه إلى الواحد منه وإذا دخلت على المجموع صلح أن يراد به جميع الجنس وأن يراد به بعضه لا إلى الواحد منه ا ه. فاعتمدها صاحب «المفتاح» وتناقلها العلماء ولم يفصّلوا بيانها.
ولعل سائلا يسأل عن وجه إتيان العرب بالجموع بعد أل الاستغراقية إذا كان المفرد مغنيا غناءها فأقول : إن أل المعرّفة تأتي للعهد وتأتي للجنس مرادا به الماهية وللجنس مرادا به جميع أفراده التي لا قرار له في غيرها فإذا أرادوا منها الاستغراق نظروا فإن وجدوا قرينة الاستغراق ظاهرة من لفظ أو سياق نحو : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) [العصر : ٢ ، ٣] (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) [آل عمران : ١١٩] (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) [الحاقة : ١٧] اقتنعوا بصيغة المفرد لأنه الأصل الأحفّ وإن رأوا قرينة الاستغراق خفية أو مفقودة عدلوا إلى صيغة الجمع لدلالة الصيغة على عدة أفراد لا على فرد واحد. ولما كان تعريف العهد لا يتوجه إلى عدد من الأفراد غالبا تعين أن تعريفها للاستغراق نحو : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران : ١٣٤] لئلا يتوهم أن الحديث على محسن خاص نحو قولها :