(وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) [يوسف : ٥٢] لئلا يتوهم أن الحديث عن خائن معين تعني نفسها فيصير الجمع في هذه المواطن قرينة على قصد الاستغراق.
وانتصب الصالحات على المفعول به لعملوا على المعروف من كلام أئمة العربية وزعم ابن هشام في الباب السادس من «مغني اللبيب» أن مفعول الفعل إذا كان لا يوجد إلا بوجود فعله كان مفعولا مطلقا لا مفعولا به فنحو : (عَمِلُوا الصَّالِحاتِ) مفعول مطلق ونحو : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ) [العنكبوت : ٤٤] كذلك ، واعتضد لذلك بأنّ ابن الحاجب في «شرح المفصل» زعم أن المفعول المطلق يكون جملة نحو قال زيد عمرو منطلق وكلام ابن هشام خطأ وكلام ابن الحاجب مثله ، وقد رده ابن هشام نفسه. والصواب أن المفعول المطلق هو مصدر فعله أو ما يجري مجراه.
والجنات جمع جنة ، والجنة في الأصل فعلة من جنه إذا ستره نقلوه للمكان الذي تكاثرت أشجاره والتف بعضها ببعض حتى كثر ظلها وذلك من وسائل التنعم والترفه عند البشر قاطبة (١) لا سيما في بلد تغلب عليه الحرارة كبلاد العرب قال تعالى : (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) [النبأ : ١٦].
والجري حقيقته سرعة شديدة في المشي ، ويطلق مجازا على سيل الماء سيلا متكررا متعاقبا وأحسن الماء ما كان جاريا غير قار لأنه يكون بذلك جديدا كلما اغترف منه شارب أو اغتسل مغتسل.
والأنهار جمع نهر بفتح الهاء وسكونها والفتح أفصح والنهر الأخدود الجاري فيه الماء على الأرض وهو مشتق من مادة نهر الدالة على الانشقاق والاتساع ويكون كبيرا وصغيرا. وأكمل محاسن الجنات جريان المياه في خلالها وذلك شيء اجتمع البشر كلهم على أنه من أنفس المناظر لأن في الماء طبيعة الحياة ولأن الناظر يرى منظرا بديعا وشيئا لذيذا.
وأودع في النفوس حب ذلك فإما لأن الله تعالى أعد نعيم الصالحين في الجنة على
__________________
(١) فإن الإنسان مجبول على حب المناظر الجميلة والميل لما يقاربه في الخلقة ، وفي الشجر جمال الشكل واللون وفيه أنس للنفوس لأن فيه حياة فناسب النفوس مثل التأنس بالحيوان والأنعام التي قال تعالى فيها : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ) [النحل : ٦] ففي مناظر الأشجار جمال يفوق جمال مناظر ما لا حياة فيه كالقصور والرياش.