فعلم أنها ليست كلمات زجر وتوبيخ بل كلمات عفو ومغفرة ورضى وهي إما كلمات لقنها آدم من قبل الله تعالى ليقولها طالبا المغفرة وإما كلمات إعلام من الله إياه بأنه عفا عنه بعد أن أهبطه من الجنة اكتفاء بذلك في العقوبة ، ومما يدل على أنها كلمات عفو عطف (فَتابَ عَلَيْهِ) بالفاء إذ لو كانت كلمات توبيخ لما صح التسبب.
وتلقي آدم للكلمات إما بطريق الوحي أو الإلهام. ولهم في تعيين هذه الكلمات روايات أعرضنا عنها لقلة جدوى الاشتغال بذلك ، فقد قال آدم الكلمات فتيب عليه فلنهتم نحن بما ينفعنا من الكلام الصالح والفعل الصالح.
ولم تذكر توبة حواء هنا مع أنها مذكورة في مواضع أخرى نحو قوله : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) [الأعراف : ٢٣] لظهور أنها تتبعه في سائر أحواله وأنه أرشدها إلى ما أرشد إليه ، وإنما لم يذكر في هذه الآية لأن الكلام جرى على الابتداء بتكريم آدم وجعله في الأرض خليفة فكان الاعتناء بذكر تقلباته هو الغرض المقصود.
وأصل معنى تاب رجع ونظيره ثاب بالمثلثة ، ولما كانت التوبة رجوعا من التائب إلى الطاعة ونبذا للعصيان وكان قبولها رجوعا من المتوب إليه إلى الرضى وحسن المعاملة وصف بذلك رجوع العاصي عن العصيان ورجوع المعصي عن العقاب فقالوا تاب فلان لفلان فتاب عليه لأنهم ضمنوا الثاني معنى عطف ورضى فاختلاف مفادي هذا الفعل باختلاف الحرف الذي يتعدى به وكان أصله مبنيا على المشاكلة.
والتوبة تتركب من علم وحال وعمل ، فالعلم هو معرفة الذنب والحال هو تألم النفس من ذلك الضرر ويسمى ندما ، والعمل هو الترك للإثم وتدارك ما يمكن تداركه وهو المقصود من التوبة ، وأما الندم فهو الباعث على العمل ولذلك ورد في الحديث : «الندم توبة» قاله الغزالي ، قلت : أي لأنه سببها ضرورة أنه لم يقصر لأن أحد الجزءين غير معرفة.
ثم التعبير بتاب عليه هنا مشعر بأن أكل آدم من الشجرة خطيئة إثم غير أن الخطيئة يومئذ لم يكن مرتبا عليها جزاء عقاب أخروي ولا نقص في الدين ولكنها أوجبت تأديبا عاجلا لأن الإنسان يومئذ في طور كطور الصبا فلذلك لم يكن ارتكابها بقادح في نبوءة آدم على أنها لا يظهر أن تعد من الكبائر بل قصارها أن تكون من الصغائر إذ ليس فيها معنى يؤذن بقلة اكتراث بالأمر ولا يترتب عليه فساد ، وفي عصمة الأنبياء من الصغائر خلاف بين أصحاب الأشعري وبين الماتريدي وهي في كتب الكلام ، على أن نبوءة آدم فيما يظهر