كانت بعد النزول إلى الأرض فلم تكن له عصمة قبل ذلك إذ العصمة عند النبوءة.
وعندي ـ وبعضه مأخوذ من كلامهم ـ أن ذلك العالم لم يكن عالم تكليف بالمعنى المتعارف عند أهل الشرائع بل عالم تربية فقط فتكون خطيئة آدم ومعصيته مخالفة تأديبية ولذلك كان الجزاء عليها جاريا على طريقة العقوبات التأديبية بالحرمان مما جره إلى المعصية ، فإطلاق المعصية والتوبة وظلم النفس على جميع ذلك هو بغير المعنى الشرعي المعروف بل هي معصية كبيرة وتوبة بمعنى الندم والرجوع إلى التزام حسن السلوك ، وتوبة الله عليه بمعنى الرضى لا بمعنى غفران الذنوب ، وظلم النفس بمعنى التسبب في حرمانها من لذات كثيرة بسبب لذة قليلة فهو قد خالف ما كان ينبغي أن لا يخالفه ويدل لذلك قوله بعد ذلك : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) إلى قوله (خالِدُونَ) [البقرة : ٣٨ ، ٣٩] فإنه هو الذي بين به لهم أن المعصية بعد ذلك اليوم جزاؤها جهنم فأورد عليّ بعض الحذاق من طلبة الدرس أنه إذا لم يكن العالم عالم تكليف فكيف كفر إبليس باعتراضه وامتناعه من السجود؟ فأجبته بأن دلالة ألوهية الله تعالى في ذلك العالم حاصلة بالمشاهدة حصولا أقوى من كل دلالة زيادة على دلالة العقل لأن إبليس شاهد بالحس الدلائل على تفرده تعالى بالألوهية والخلق والتصرف المطلق وبعلمه وحكمته واتصافه بصفات الكمال كما حصل العلم بمثله للملائكة فكان اعتراضه على فعله والتغليط إنكارا لمقتضى تلك الصفات فكان مخالفة لدلائل الإيمان فكفر به. وأما الأمر والنهي والطاعة والمعصية وجزاء ذلك فلا يتلقى إلا بالإخبارات الشرعية وهي لم تحصل يومئذ وإنما حصلت بقوله تعالى لهم : (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) الآية فظهر الفرق.
وقرأ الجمهور (آدَمُ) بالرفع و (كَلِماتٍ) بالنصب ، وقرأه ابن كثير بنصب (آدم) ورفع (كلمات) على تأويل (تلقى) بمعنى بلغته كلمات فيكون التلقي مجازا عن البلوغ بعلاقة السببية.
وقوله : (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) تذييل وتعليل للجملة السابقة وهي (فَتابَ عَلَيْهِ) لأنه يفيد مفادها مع زيادة التعميم والتذييل من الإطناب كما تقرر في علم المعاني. ومعنى المبالغة في التواب أنه الكثير القبول للتوبة أي لكثرة التائبين فهو مثال مبالغة من تاب المتعدي بعلى الذي هو بمعنى قبول التوبة إيذان بأن ذلك لا يخص تائبا دون آخر وهو تذييل لقوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ) المؤذن بتقدير تاب آدم فتاب الله عليه على جعل التواب بمعنى الملهم لعباده الكثيرين أن يتوبوا فإن أمثلة المبالغة قد تجيء من غير التكاثر فالتواب