قدمه في العلم ، فكان تقريره هذا كالاعتذار عن القول بعدم وجوب بعثة الرسل على أن الهدى لا يختص بالإيمان الذي يغني فيه العقل عن الرسالة عندهم بل معظمه هدي التكاليف وكثير منها لا قبل للعقل بإدراكه ، وهو على أصولهم أيضا واجب على الله إبلاغه للناس فيبقى الإشكال على الإتيان بحرف الشك هنا بحالة فلذلك كانت الآية أسعد بمذهبنا أيها الأشاعرة من عدم وجوب الهدي كله على الله تعالى لو شئنا أن نستدل بها على ذلك كما فعل البيضاوي ولكنا لا نراها واردة لأجله.
وقوله : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) الآية هو في معنى العهد أخذه الله على آدم فلزم ذريته أن يتبعوا كل هدى يأتيهم من الله وأن من أعرض عن هدى يأتي من الله فقد استوجب العذاب فشمل جميع الشرائع الإلهية المخاطب بها طوائف الناس لوقوع (هدى) نكرة في سياق الشرط وهو من صيغ العموم ، وأولى الهدي وأجدره بوجوب اتباعه الهدي الذي أتى من الله لسائر البشر وهو دين الإسلام الذي خوطب به جميع بني آدم وبذلك تهيأ الموقع لقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) إلخ فالله أخذ العهد من لدن آدم على اتباع الهدي العام كقوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) [آل عمران : ٨١] الآية.
وهذه الآية تدل على أن الله لا يؤاخذ البشر بما يقترفونه من الضلال إلا بعد أن يرسل إليهم من يهديهم فأما في تفاصيل الشرائع فلا شك في ذلك ولا اختلاف وأما في توحيد الله وما يقتضيه من صفات الكمال فيجري على الخلاف بين علمائنا في مؤاخذة أهل الفترة على الإشراك ، ولعل الآية تدل على أن الهدى الآتي من عند الله في ذلك قد حصل من عهد آدم ونوح وعرفه البشر كلهم فيكون خطابا ثابتا لا يسع البشر ادعاء جهله وهو أحد قولين عن الأشعري ، وقيل لا ، وعند المعتزلة والماتريدية أنه دليل عقلي.
وقوله : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) نفي لجنس الخوف. و (خَوْفٌ) مرفوع في قراءة الجمهور وقرأه يعقوب مبنيا على الفتح وهما وجهان في اسم (لا) النافية للجنس وقد روي بالوجهين قول المرأة الرابعة من نساء حديث أم زرع «زوجي كليل تهامه لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة». وبناء الاسم على الفتح نص في نفي الجنس ورفعه محتمل لنفي الجنس ولنفي فرد واحد ، ولذلك فإذا انتفى اللبس استوى الوجهان كما هنا إذ القرينة ظاهرة في نفي الجنس.
وقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) يحتمل أنه من جملة ما قيل لآدم فإكمال ذكره هنا استيعاب لأقسام ذرية آدم وفيه تعريض بالمشركين من ذرية آدم وهو يعم من كذب