إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن |
|
برأي نصيح أو نصيحة حازم |
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة |
|
مكان الخوافي قوة للقوادم |
وأدن إلى الشّورى المسدّد رأيه |
|
ولا تشهد الشورى امرأ غير كاتم |
فكرر الشورى ثلاث مرات في البيتين الثاني والثالث ليكون كل نصف سائرا مسير المثل وبهذا يظهر وجه تعريف الهدى الثاني بالإضافة لضمير الجلالة دون أل مع أنها الأصل في وضع الظاهر موضع الضمير الواقع معاد لئلا يفوت هاته الجملة المستقلة شيء تضمنته الجملة الأولى إذ الجملة الأولى تضمنت وصف الهدى بأنه آت من الله والإضافة في الجملة الثانية تفيد هذا المفاد.
والإتيان (١) في قوله تعالى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) بحرف الشرط الدال على عدم الجزم بوقوع الشرط إيذان ببقية من عتاب على عدم امتثال الهدى الأول وتعريض بأن محاولة هديكم في المستقبل لا جدوى لها كما يقول السيد لعبده إذا لم يعمل بما أوصاه به فغضب عليه ثم اعتذر له فرضي عنه : إن أوصيتك يوما آخر بشيء فلا تعد لمثل فعلتك ، يعرض له بأن تعلق الغرض بوصيته في المستقبل أمر مشكوك فيه إذ لعله قليل الجدوى ، وهذا وجه بليغ فات صاحب «الكشاف» حجبه عنه توجيه تكلّفه لإرغام الآية على أن تكون دليلا لقول المعتزلة بعدم وجوب بعثة الرسل للاستغناء عنها بهدي العقل في الإيمان بالله مع كون هدي الله تعالى الناس واجبا عندهم ، وذلك التكلف كثير في «كتابه» وهو لا يليق برسوخ
__________________
(١) اعلم أن أصل تكرير الكلمة أو الجملة في الكلام أن يكون مكروها لما يورثه التكرير من سماجة السامع ، لأن المقصود من الكلام تجدد المعاني غير أن تلك الكراهة متفاوتة ، فتكرير المفردات لا مندوحة عنه ، فكان اختلاف الإخبار عنها والأوصاف دافعا لكراهة تكريرها ، ولذلك لا يعد تكريرها عيبا إلا إذا كثر في كلام غير طويل نحو :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
|
نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا |
ولذلك عدت كثرة التكرير منافية للفصاحة. وأما تكرير الجمل في الكلام القريب فأصله السماجة إلا إذا حصل من التكرير نكتة بلاغية فحينئذ يغالب النشاط الحاصل من التكرير أو التأثر والانزعاج تلك السماجة فيدحضها. وذلك كتكرير التهويل في «قربا مربط النعامة مني» وتكرير التطريب في إعادة اسم المحبوب فيقصد المتكلم تجديد ذلك التأثر في السامع حبا فيه أو نكاية وذلك تابع لحالة السامعين في ذلك المقام بحيث لا يسأمون من التكرير لأنهم يتطلبونه ويحمدونه لما يتجدد لهم عنده من الانفعال الحسن.