قوله تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة : ١٠٥] فلا حاجة لبيان أنها نزلت لما أظهر بعض اليهود مودة المؤمنين. وهذا القسم قد أكثر من ذكره أهل القصص وبعض المفسرين ولا فائدة في ذكره ، على أنّ ذكره قد يوهم القاصرين قصر الآية على تلك الحادثة لعدم ظهور العموم من ألفاظ تلك الآيات.
والرابع : هو حوادث حدثت وفي القرآن تناسب معانيها سابقة أو لا حقة فيقع في عبارات بعض السلف ما يوهم أن تلك الحوادث هي المقصود من تلك الآيات ، مع أن المراد أنها مما يدخل في معنى الآية ويدل لهذا النوع وجود اختلاف كثير بين الصحابة في كثير من أسباب النزول كما هو مبسوط في المسألة الخامسة من بحث أسباب النزول من «الإتقان» فارجعوا إليه ففيه أمثلة كثيرة.
وفي «صحيح البخاري» في سورة النساء [٩٤] أن ابن عباس قرأ قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) بألف بعد لام السلام وقال كان رجل في غنيمة له (تصغير غنم) فلحقه المسلمون فقال السلام عليكم فقتلوه (أي ظنوه مشركا يريد أن يتقي منهم بالسلام) وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ) الآية. فالقصة لا بد أن تكون قد وقعت لأن ابن عباس رواها لكن الآية ليست نازلة فيها بخصوصها ولكن نزلت في أحكام الجهاد بدليل ما قبلها وما بعدها فإن قبلها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) [النساء : ٩٤] وبعدها : (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) [النساء : ٩٤].
وفي تفسير تلك السورة من «صحيح البخاري» بعد أن ذكر نزاع الزبير والأنصاري في ماء شراج الحرّة قال الزبير : فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء : ٦٥] الآية قال السيوطي في «الإتقان» عن الزركشي قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه الآية في كذا فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها. وفيه عن ابن تيمية قد تنازع العلماء في قول الصحابي نزلت هذه الآية في كذا هل يجري مجرى المسند أو يجري مجرى التفسير؟ فالبخاري يدخله في المسند ، وأكثر أهل المسانيد لا يدخلونه فيه ، بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلونه في المسند.
والخامس : قسم يبين مجملات ويدفع متشابهات مثل قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ