مدينة عين شمس فلما بصرت بالسفط أرسلت أمة لها لتنظر السفط فلما فتحنه وجدن الصبي فأخذته ابنة فرعون إلى أمها وأظهرت مريم أخت موسى نفسها لابنة فرعون فلما رأت رقة ابنة فرعون على الصبي قالت : إن فينا مرضعا أفأذهب فأدعوها لترضعه؟ فقالت : نعم فذهبت وأتت بأم موسى. وأخذت امرأة فرعون الولد وتبنته وسمته موشى قيل : إنه مركب من كلمة «مو» بمعنى الماء وكلمة «شى» بمعنى المنقذ وقد صارت في العربية موسى والأظهر أن هذا الاسم مركب من اللغة العبرية لا من القبطية فلعله كان له اسم آخر في قصر فرعون وأنه غير اسمه بعد ذلك.
ونشأ موسى في بيت فرعون كولد له ولما كبر علم أنه ليس بابن لفرعون وأنه إسرائيلي ولعل أمه أعلمته بذلك وجعلت له أمارات يوقن بها وأنشأه الله على حب العدل ونصر الضعيف وكان موسى شديدا قوي البنية ولما بلغ أشده في حدود نيف وثلاثين من عمره حدث له حادث قتل فيه قبطيا انتصارا لإسرائيلي ولعل ذلك كان بعد مفارقته لقصر فرعون أي بعد موت مربيه فخاف موسى أن يقتص منه وهاجر من مصر ومر في مهاجرته بمدين وتزوج ابنة شعيب ثم خرج من مدين بعد عشر سنين وعمره يومئذ نيف وأربعون سنة. وأوحى الله إليه في طريقه أن يخرج بني إسرائيل من مصر وينقذهم من ظلم فرعون فدخل مصر ولقي أخاه هارون في جملة قومه في مصر وسعى في إخراج بني إسرائيل من مصر بما قصه الله في كتابه وكان خروجه ببني إسرائيل من مصر في حدود سنة ١٤٦٠ ستين وأربعمائة وألف قبل المسيح في زمن منفطاح الثاني وتوفي موسى عليهالسلام قرب أريحا على جبل نيبو سنة ١٣٨٠ ثمانين وثلاثمائة وألف قبل ميلاد عيسى ودفن هنالك وقبره غير معروف لأحد كما هو نص التوراة.
وقوله : (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) انتصب على أنه ظرف لمتعلق (واعَدْنا) وهو اللقاء الموعود به ناب هذا الظرف عن المتعلق أي مناجاة وغيرها في أربعين ليلة إن جعل (واعَدْنا) مسلوب المفاعلة وإن أبقي على ظاهره قدرنا متعلقين وعلى كلا التقديرين فانتصاب (أربعين) على الظرفية لذلك المحذوف على أن إطلاق اسم الزمان على ما يقع فيه مجاز شائع في كلام البلغاء ومنه (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ) [البقرة : ٤٨] كما تقدم والأمور التي اشتملت عليها الأربعون ليلة معلومة للمخاطبين يتذكرونها بمجرد الإلماع إليها.
وبما حررناه في قوله : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) تستغني عن تطويلات واحتمالات جرت في كلام الكاتبين هنا من وجوه ذكرها التفتازانيّ وعبد الحكيم وقد جمع