الخالصين من اليهود وغيرهم ممن سلف مثل النقباء الذين كانوا في المناجاة مع موسى ومثل يوشع بن نون كالب بن يفنة لهم هذا الحكم وهو أن لهم أجرا عند ربهم لأن إناطة الجزاء بالشرط المشتق مؤذن بالتعليل بل السابقون بفعل ذلك قبل التقييد بهذا الشرط أولى بالحكم فقد قضت الآية حق الفريقين.
ويجوز أن تكون (من) موصولة بدلا من اسم (إن) والفعل الماضي حينئذ باق على المضي لأنه ليس ثمة ما يخلصه للاستقبال ودخلت الفاء في (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) إما على أنها تدخل في الخبر نحو قول الشاعر وهو من شواهد «كتاب سيبويه».
وقائلة خولان فانكح فتاتهم
ونحو : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) [البروج : ١٠] عند غير سيبويه. وإما على أن الموصول عومل معاملة الشرط للإيذان بالتعليل فأدخلت الفاء قرينة على ذلك. ويكون المفاد من الآية حينئذ استثناء صالحي بني إسرائيل من الحكم ، بضرب الذلة والمسكنة والغضب من الله ويكون ذكر بقية صالحي الأمم معهم على هذا إشارة إلى أن هذه سنة الله في معاملته خلقه ومجازاته كلا على فعله.
وقد استشكل ذكر (الَّذِينَ آمَنُوا) في عداد هؤلاء ، وإجراء قوله : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) عليهم مع أنهم مؤمنون فذكرهم تحصيل للحاصل ، فقيل أريد به خصوص المؤمنين بألسنتهم فقط وهم المنافقون. وقيل أراد به الجميع وأراد بمن آمن من دام بالنسبة للمخلصين ومن أخلص بالنسبة للمنافقين. وهما جوابان في غاية البعد. وقيل : يرجع قوله : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) لخصوص الذين هادوا والنصارى والصابين دون المؤمنين بقرينة المقام لأنهم وصفوا بالذين آمنوا وهو حسن. وعندي أنه لا حاجة إلى شيء من ذلك ، لأن الشرط والصلة تركبت من شيئين الإيمان والعمل الصالح.
والمخلصون وإن كان إيمانهم حاصلا فقد بقي عليهم العمل الصالح فلما تركب الشرط أو الصلة من أمرين فقد علم كل أناس مشربهم وترجع كل صفة لمن يفتقر إليها كلا أو بعضا.
ومعنى (مَنْ آمَنَ بِاللهِ). الإيمان الكامل وهو الإيمان برسالة محمد صلىاللهعليهوسلم بقرينة المقام وقرينة قوله : (وَعَمِلَ صالِحاً) إذ شرط قبول الأعمال الإيمان الشرعي لقوله تعالى : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [البلد : ١٧]. وقد عد عدم الإيمان برسالة محمد صلىاللهعليهوسلم بمنزلة عدم الإيمان بالله لأن مكابرة المعجزات ، القائمة مقام تصديق الله تعالى للرسول المتحدي بها يؤول إلى تكذيب الله تعالى في ذلك التصديق فذلك المكابر غير مؤمن بالله الإيمان الحق.