فإنه لما ذكر السكر تهيأ التشبيه بالخمر ولكن قوله : تجعيد لا يناسب العناقيد.
فإن قلت لم عددته مذموما وما هو إلا كتجريد الاستعارة؟
قلت : لا لأن التجريد يجيء بعد تكرر الاستعارة وعلم بها فيكون تفننا لطيفا بخلاف ما يجيء قبل العلم بالتشبيه.
وقوله : (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) مرفوع على أنه خبر مبتدأ دل عليه قوله : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) و (أو) بمعنى بل الانتقالية لتوفر شرطها وهو كون معطوفها جملة. وهذا المعنى متولد من معنى التخيير الموضوعة له (أو) لأن الانتقال ينشأ عن التخيير فإن القلوب بعد أن شبهت بالحجارة وكان الشأن يكون المشبه أضعف في الوصف من المشبه به يبنى على ذلك ابتداء التشبيه بما هو أشهر ثم عقب التشبيه بالترقي إلى التفضيل في وجه الشبه على حد قول ذي الرمة (١) :
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضّحى |
|
وصورتها أو أنت في العين أملح |
فليست (أو) للتخيير في التشبيه أي ليست عاطفة على قوله الحجارة المجرورة بالكاف لأن تلك لها موقع ما إذا كرر المشبه به كما قدمناه عند قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) [البقرة : ١٩]. ويجوز أن تكون للتخيير في الأخبار عطفا على الخبر الذي هو (كَالْحِجارَةِ) أي فهي مثل الحجارة أو هي أقوى من الحجارة والمقصود من التخيير أن المتكلم يشير إلى أنه لا يرمي بكلامه جزافا ولا يذمهم تحاملا بل هو متثبت متحر في شأنهم فلا يثبت لهم إلا ما تبين له بالاستقراء والتقصي فإنه ساواهم بالحجارة في وصف ثم تقصّى فرأى أنهم فيه أقوى فكأنه يقول للمخاطب إن شئت فسوّهم بالحجارة في القسوة ولك أن تقول هم أشد منها وذلك يفيد مفاد الانتقال الذي تدل عليه بل وهو إنما يحسن في مقام الذم لأن فيه تلطفا وأما في مقام المدح فالأحسن هو التعبير ببل كقول الفرزدق :
فقالت لنا أهلا وسهلا وزوّدت |
|
جنى النّحل بل ما زوّدت منه أطيب |
ووجه تفضيل تلك القلوب على الحجارة في القساوة أن القساوة التي اتصفت بها القلوب مع كونها نوعا مغايرا لنوع قساوة الحجارة قد اشتركا في جنس القساوة الراجعة إلى معنى عدم قبول التحول كما تقدم فهذه القلوب قساوتها عند التمحيص أشد من قساوة
__________________
(١) نسبه إليه ابن جني وقال البغدادي لم أجده في «ديوان ذي الرمة».