واللام في قوله تعالى : (لِيُحَاجُّوكُمْ) لام التعليل لكنها مستعملة في التعقيب مجازا أو ترشيحا لاستعمال الاستفهام في الإنكار أو التقرير مجازا فإنه لما كان الاستفهام الموضوع لطلب العلم استعمل هنا في الإنكار أو التقرير مجازا لأن طلب العلم يستلزم الإقرار والمقرر عليه يقتضي الإنكار لأن المقر به مما ينكر بداهة وكانت المحاجة به عند الله فرعا عن التحديث بما فتح الله عليهم جعل فرع وقوع التحديث المنكر كأنه علة مسئول عنها أي لكان فعلكم هذا معللا بأن يحاجوكم ، وهو غاية في الإنكار إذ كيف يسعى أحد في إيجاد شيء تقوم به عليه الحجة فالقرينة هي كون المقام للإنكار لا للاستفهام ولذلك كانت اللام ترشيحا متميزا به أيضا.
والأظهر أن قوله : (عِنْدَ رَبِّكُمْ) ظرف على بابه مراد منه عندية التحاكم المناسب لقوله : (لِيُحَاجُّوكُمْ) وذلك يوم القيامة لا محالة أي يجعلون ذلك حجة عليكم أمام الله على صدق رسولهم وعلى تبعتكم في عدم الإيمان به وذلك جار على حكاية حال عقيدة اليهود من تشبيههم الرب سبحانه وتعالى بحكام البشر في تمشي الحيل عليه وفي أنه إنما يأخذ المسببات من أسبابها الظاهرية فلذلك كانوا يرتكبون التحيل في شرعهم وتجد كتبهم ملأى بما يدل على أن الله ظهر له كذا وعلم أن الأمر الفلاني كان على خلاف المظنون وكقولهم في سفر التكوين «وقال الرب هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا يعرف الخير والشر» وقال فيه : «ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه فقال : أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته» وجاء في التكوين أيضا «لما شاخ إسحاق وكلت عيناه عن النظر دعا ابنه الأكبر عيسو وقال له : إني شخت ولست أعرف يوم وفاتي فالآن خذ عدتك واخرج إلى البرية فتصيد لي صيدا واصنع لي أطعمة حتى أباركك قبل أن أموت فسمعت (رفقة) أمهما (١) ذلك فكلمت ابنها يعقوب وقالت : اذهب إلى الغنم وخذ جديين جيدين من المعزى فاصنعهما أطعمة لأبيك حتى يباركك قبل وفاته فقال : يعقوب لأمه إن عيسو أخي رجل أشعر وأنا رجل أملس ربما يجسني أبي فأكون في عينيه كمتهاون وأجلب على نفسي لعنة فقالت : اسمع لقولي فذهب وصنعت له أمه الطعام وأخذت ثياب ابنها الأكبر عيسو وألبستها يعقوب وألبست يديه وملاسة عنقه جلود الجديين فدخل يعقوب إلى أبيه وقال : يا أبي أنا ابنك الأكبر قد فعلت
__________________
(١) رفقة هي أم عيسو ويعقوب ولكنها تميل إلى يعقوب لأن عيسو كان قد تزوج امرأتين من بني حث فكانت رفقة ساخطة على عيسو.