الواقع وهو الحسد على نزول القرآن على رجل من غيرهم فجاءت هاته المجادلات المصدرة بقل لإبطال معذرتهم وفضح مقصدهم. فأبطل أولا ما تضمنه قولهم : (نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) من أنهم إنما يقبلون ما أنزل على رسلهم بأنهم قد قابلوا رسلهم أيضا بالتكذيب والأذى والمعصية وذلك بقوله : (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ) وقوله : (قُلْ بِئْسَما) إلخ. وأبطل ثانيا ما تضمنه من أنهم شديد والتمسك بما أنزل عليهم حريصون على العمل به متباعدون عن البعد عنه لقصد النجاة في الآخرة بقوله : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ). وأبطل ثالثا أن يكون ذلك العذر هو الصارف لهم عن الإيمان مع إثبات أن الصارف لهم هو الحسد بقوله هنا : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) إلخ. ويؤيد هذا الارتباط وقوع الضمير في قوله نزّله عائدا على (ما أَنْزَلَ اللهُ) في الآية المجابة بهاته الإبطالات ، ولذلك فصلت هذه كما فصلت أخواتها ولأنها لا علاقة لها بالجمل القريبة منها فتعطف عليها فجاءت لذلك مستأنفة.
والعدو المبغض وهو مشتق من عدا عليه يعدو بمعنى وثب ، لأن المبغض يثب على المبغوض لينتقم منه ووزنه فعول.
وجبريل اسم عبراني للملك المرسل من الله تعالى بالوحي لرسله مركب من كلمتين. وفيه لغات أشهرها جبريل كقطمير وهي لغة أهل الحجاز وبها قرأ الجمهور. وجبريل بفتح الجيم وكسر الراء وقع في قراءة ابن كثير وهذا وزن فعليل لا يوجد له مثال في كلام العرب قاله الفراء والنحاس ، وجبرئيل بفتح الجيم أيضا وفتح الراء وبين الراء والياء همزة مكسورة وهي لغة تميم وقيس وبعض أهل نجد وقرأ بها حمزة والكسائي. وجبرئل بفتح الجيم والراء بينها وبين اللام همزة مكسورة قرأ بها أبو بكر عن عاصم وفيه لغات أخرى قرئ بها في الشواذ.
وهو اسم مركب من كلمتين كلمة جبر وكلمة إيل. فأما كلمة جبر فمعناه عند الجمهور نقلا عن العبرانية أنها بمعنى عبد والتحقيق أنها في العبرانية بمعنى القوة. وأما كلمة إيل فهي عند الجمهور اسم من أسماء الله تعالى. وذهب أبو علي الفارسي إلى عكس قول الجمهور فزعم أن جبر اسم الله تعالى وإيل العبد وهو مخالف لما في اللغة العبرانية عند العارفين بها. وقد قفا أبو العلاء المعري رأي أبي علي الفارسي في صدر رسالته التي خاطب بها علي بن منصور الحلبي المعروف بابن القارح وهي المعروفة «برسالة الغفران» فقال : «قد علم الجبر الذي نسب إليه جبريل وهو في كل الخيرات سبيل أنّ في مسكني