حماطة» إلخ. أي قد علم الله الذي نسب جبريل إلى اسمه أي اسمه جبر يريد بذلك القسم وهذا إغراب منه وتنبيه على تباصره باللغة.
وعدواة اليهود لجبريل نشأت من وقت نزوله بالقرآن على محمد صلىاللهعليهوسلم. وقيل : لأنه ينزل على الأمم التي كذبت رسلها بالعذاب والوعيد ، نقله القرطبي عن حديث خرجه الترمذي.
وقوله : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) شرط عام مراد به خاص وهم اليهود. قصد الإتيان بالشمول ليعلموا أن الله لا يعبأ بهم ولا بغيرهم ممن يعادي جبريل إن كان له معاد آخر.
وقد عرف اليهود في المدينة بأنهم أعداء جبريل ففي البخاري عن أنس بن مالك قال : «سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله وهو في أرض يخترف فأتى النبي فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبيء «فما أول أشراط الساعة ، وما أول طعام أهل الجنة ، وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال رسول الله أخبرني بهن جبريل آنفا قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة فإنهم أبغضوه لأنه يجيء بما فيه شدة وبالأمر بالقتال» الحديث وفي سفر دانيال من كتبهم في الإصحاحين الثامن والتاسع ذكروا أن جبريل عبر لدانيال رؤيا رآها وأنذره بخراب أورشليم. وذكر المفسرون أسبابا أخرى لبغضهم جبريل. ومن عجيب تهافت اعتقادهم أنهم يثبتون أنه ملك مرسل من الله ويبغضونه وهذا من أحط دركات الانحطاط في العقل والعقيدة ولا شك أن اضطراب العقيدة من أكبر مظاهر انحطاط الأمة لأنه ينبئ عن تظاهر آرائهم على الخطأ والأوهام.
وقوله : (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ). الضمير المنصوب ب (نزله) عائد للقرآن إما لأنه تقدم في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) [البقرة : ٩١] وإما لأن الفعل لا يصلح إلا له هنا على حد (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢] (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) [الواقعة : ٨٣]. وهذه الجملة قائمة مقام جواب الشرط لظهور أن المراد أن لا موجب لعداوته لأنه واسطة أذنه الله بالنزول بالقرآن فهم بمعاداته إنما يعادون الله تعالى فالتقدير من كان عدوا لجبريل فلا يعاده وليعاد الله تعالى. وهذا الوجه أحسن مما ذكروه وأسعد بقوله تعالى (بِإِذْنِ اللهِ) وأظهر ارتباطا بقوله بعد (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ) كما ستعرفونه ويجوز أن يكون التقدير فإنه قد نزله عليك سواء أحبوه أم عادوه فيكون في معنى الإغاظة من باب (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) [آل عمران : ١١٩] ، كقول الربيع بن زياد :
من كان مسرورا بمقتل مالك |
|
فليأت ساحتنا بوجه نهار |