لا خلاف في إثباته على الجملة دون تفصيل ، وما عداها من الأوهام والمزاعم هو شيء لا أثر له وذلك كل عمل لا مباشرة له بذات من يراد سحره ويكون غائبا عنه فيدعي أنه يؤثر فيه ، وهذا مثل رسم أشكال يعبر عنها بالطلاسم ، أو عقد خيوط والنفث عليها برقيات معينة تتضمن الاستنجاد بالكواكب أو بأسماء الشياطين والجن وآلهة الأقدمين ، وكذا كتابة اسم المسحور في أشكال ، أو وضع صورته أو بعض ثيابه وعلائقه وتوجيه كلام إليها بزعم أنه يؤثر ذلك في حقيقة ذات المسحور ، أو يستعملون إشارات خاصة نحو جهته أو نحو بلده وهو ما يسمونه بالأرصاد وذكر أبو بكر ابن العربي في «القبس» أن قريشا لما أشار النبي صلىاللهعليهوسلم بأصبعه في التشهد قالوا : هذا محمد يسحر الناس ، أو جمع أجزاء معينة وضم بعضها إلى بعض مع نية أن ذلك الرسم أو الجمع لتأثير شخص معين بضر أو خير أو محبة أو بغضة أو مرض أو سلامة ، ولا سيما إذا قرن باسم المسحور وصورته أو بطالع ميلاده ، فذلك كله من التوهمات وليس على تأثيرها دليل من العقل ولا من الطبع ولا ما يثبته من الشرع ، وقد انحصرت أدلة إثبات الحقائق في هذه الأدلة ، ومن العجائب أن الفخر في «التفسير» حاول إثباته بما ليس بمقنع.
وقد تمسك جماعة لإثبات تأثير هذا النوع من السحر بما روي في «الصحيحين» ـ عن قول عائشة أن لبيد بن الأعصم سحر النبي صلىاللهعليهوسلم ـ ورؤيا النبي صلىاللهعليهوسلم أن ملكين أخبراه بذلك السحر ، وفي النسائي عن زيد بن أرقم مثله مختصرا ، وينبغي التثبت في عباراته ثم في تأويله ، ولا شك أن لبيدا حاول أن يسحر النبي صلىاللهعليهوسلم فقد كان اليهود سحرة في المدينة وأن الله أطلع رسوله على ما فعله لبيد لتكون معجزة للنبي صلىاللهعليهوسلم ـ في إبطال سحر لبيد وليعلم اليهود أنه نبيء لا تلحقه أضرارهم وكما لم يؤثر سحر السحرة على موسى كذلك لم يؤثر سحر لبيد على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإنما عرض للنبي صلىاللهعليهوسلم عارض جسدي شفاه الله منه فصادف أن كان مقارنا لما عمله لبيد بن الأعصم من محاولة سحره وكانت رؤيا النبي صلىاللهعليهوسلم إنباء من الله لما بما صنع لبيد ، والعبارة عن صورة تلك الرؤيا كانت مجملة فإن الرأي رموز ولم يرد في الخبر تعبير ما اشتملت عليه فلا تكون أصلا لتفصيل القصة.
ثم إن لتأثير هاته الأسباب أو الأصول الثلاثة شروطا وأحوالا بعضها في ذات الساحر وبعضها في ذات المسحور ، فيلزم في الساحر أن يكون مفرط الذكاء منقطعا لتجديد المحاولات السحرية جسورا قوى الإرادة كتوما للسر قليل الاضطراب للحوادث سالم البنية مرتاض الفكر خفي الكيد والحيلة ، ولذلك كان غالب السحرة رجالا ولكن كان