الحبشة يجعلون السواحر نساء وكذلك كان الغالب في الفرس والعرب قال تعالى : (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) [الفلق : ٤] فجاء بجمع الإناث وكانت الجاهلية تقول إن الغيلان عجائز من الجن ساحرات فلذلك تستطيع التشكل بأشكال مختلفة ، وكان معلمو السحر يمتحنون صلاحية تلامذتهم لهذا العلم بتعريضهم للمخاوف وأمرهم بارتكاب المشاق تجربة لمقدار عزائمهم وطاعتهم.
وأما ما يلزم في المسحور فخور العقل ، وضعف العزيمة ، ولطاقة البنية ، وجهالة العقل ، ولذلك كان أكثر الناس قابلية له النساء والصبيان والعامة ومن يتعجب في كل شيء. ولذلك كان من أصول السحر إلقاء أقوال كاذبة على المسحور لاختبار مقدار عقله في التصديق بالأشياء الواهية والثقة بالساحر ، قال تعالى : (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [هود : ٧] فجعلوا ذلك القول الغريب سحرا.
ثم تحف بالسحر أعمال ، القصد منها التمويه وهذه الأعمال أنواع :
نوع : الغرض منه تقوية اعتقاد الساحر في نجاح عمله لتقوى عزيمته فيشتد تأثيره على النفوس وهذا مثل تلقين معلمي هذا الفن تلامذتهم عبادة كواكب ومناجاتها لاستخدام أرواحها والاستنجاد بتلك الأرواح على استخدام الجن والقوى المتعاصية ليعتقد المتعلم أن ذلك سبب نجاح عمله فيقدم عليه بعزم ، وفي ذلك تأثير نفساني عجيب ولذلك يسمون تلك الأقوال والمناجاة عزائم ـ جمع عزيمة ـ ويقولون فلان يعزّم إذا كان يسحر ، ثم هو إذا استكمل المعرفة قد يتفطن لقلة جدوى تلك العزائم وقد يتفطن وعلى كلتا الحالتين فمعلموه لا يتعرضون له في نهاية التعليم بالتنبيه على فساد ذلك لئلا يدخلوا عليه الشكوك في مقدرته ، فلذلك بقيت تلك الأوهام يتلقاها الأخلاف عن أسلافهم ، ومن هذا النوع ضروب هي في الأصل تجارب لمقدار طاعة المتعلم لمعلمه بقيت متلقاة عندهم عن غير بصيرة مثل ارتكاب الخبائث وإهانة الصالحات والأمور المقدسة إيهاما بأنها تبلّغ إلى مرضاة الشياطين وتسخيرها ، وذلك في الواقع اختبار لمقدار خضوع المتعلم ، لأن أكبر شيء على النفس نبذ أعز الأشياء وهو الدين ، ولأن السحرة ليسوا من المليين فهم يبلغون بمريديهم إلى مبالغهم السافلة ، وقد سمعنا أن كثيرا ممن يتعاطون السحر في المسلمين يزعمون أنهم لا يتأتى لهم نجاح إلا بعد أن يلطخوا أيديهم بالنجاسات أو نحو من هذا الضلال.