لأبناء دينه على الفطرة التي لا تقتضي تفاوتا فيرى أبناء الابن وأبناء البنت في القرب من الجد بل هما سواء في حكم القرابة ، وأما مبنى القبلية فعلى اعتبارات عرفية ترجع إلى النصرة والاعتزاز فأما قول :
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا |
|
بنوهن أبناء الرجال الأباعد |
فوهم جاهلي ، وإلا فإن بني الأبناء أيضا بنوهم أبناء النساء الأباعد ، وهل يتكون نسل إلا من أب وأم. وكذا قول :
وإنما أمهات الناس أوعية |
|
فيها خلقن وللأبناء أبناء |
فذلك سفسطة. وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم للذي سأله عن الأحق بالبر من أبويه «أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك» وقال الله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) [لقمان : ١٤].
وقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) استجابة مطوية بإيجاز وبيان للفريق الذي تتحقق فيه دعوة إبراهيم والذي لا تتحقق فيه بالاقتصار على أحدهما لأن حكم أحد الضدين يثبت نقيضه للآخر على طريقة الإيجاز ، وإنما لم يذكر الصنف الذي تحقق فيه الدعوة لأن المقصد ذكر الصنف الآخر تعريضا بأن الذين يزعمون يومئذ أنهم أولى الناس بإبراهيم وهم أهل الكتاب ومشركو العرب هم الذين يحرمون من دعوته ، قال تعالى : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) [آل عمران : ٦٧ ، ٦٨] ولأن المربي يقصد التحذير من المفاسد قبل الحث على المصالح ، فبيان الذين لا تتحقق فيهم الدعوة أولى من بيان الآخرين.
و (يَنالُ) مضارع نال نيلا بالياء إذا أصاب شيئا والتحق به أي لا يصيب عهدي الظالمين أي لا يشملهم ، فالعهد هنا بمعنى الوعد المؤكد. وسمي وعد الله عهدا لأن الله لا يخلف وعده كما أخبر بذلك فصار وعده عهدا ولذلك سماه النبي عهدا في قوله «أنشدك عهدك ووعدك» ، أي لا ينال وعدي بإجابة دعوتك الظالمين منهم ، ولا يحسن أن يفسر العهد هنا بغير هذا وإن كان في مواقع من القرآن أريد به غيره ، وسيأتي ذكر العهد في سورة الأعراف.
ومن دقة القرآن اختيار هذا اللفظ هنا لأن اليهود زعموا أن الله عهد لإبراهيم عهدا بأنه مع ذريته ففي ذكر لفظ العهد تعريض بهم وإن كان صريح الكلام لتوبيخ المشركين.