فقال لعن الله ناقة حملتني إليك فقال ابن الزبير «إنّ وراكبها» ، وقد لقبوه عطف التلقين كما في «شرح التفتازانيّ على الكشاف» وذلك لأن أكثر وقوع مثله في موقع العطف ، والأولى أن تحذف كلمة عطف ونسمي هذا الصنف من الكلام باسم التلقين وهو تلقين السامع المتكلم ما يراه حقيقا بأن يلحقه بكلامه ، فقد يكون بطريقة العطف وهو الغالب كما هنا ، وقد يكون بطريقة الاستفهام الإنكاري والحال كقول تعالى : (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً) [البقرة : ١٧٠] فإن الواو مع (لو) الوصلية واو الحال وليس واو العطف فهو إنكار على إلحاقهم المستفهم عنه بقولهم ودعواهم ، وقد يكون بطريقة الاستثناء كقول العباس لمّا قال النبي صلىاللهعليهوسلم في حرم مكة «لا يعضد شجره» فقال العباس إلّا الإذخر لبيوتنا وقيننا ، وللكلام المعطوف عطف التلقين من الحكم حكم الكلام المعطوف هو عليه خبرا وطلبا ، فإذا كان كما هنا على طريق العرض علم إمضاء المتكلم له إياه ، بإقراره كما في الآية أو التصريح به كما وقع في الحديث «إلا الإذخر» ، ثم هو في الإنشاء إذا عطف معمول الإنشاء يتضمن أن المعطوف له حكم المعطوف عليه ، ولما كان المتكلم بالعطف في الإنشاء هو المخاطب بالإنشاء لزم تأويل عطف التلقين فيه بأنه على إرادة العطف على معمول لازم الإنشاء ففي الأمر إذا عطف المأمور مفعولا على مفعول الآمر كان المعنى زدني من الأمر فأنا بصدد الامتثال وكذا في المنهي. والمعطوف محذوف دل عليه المقام أي وبعض من ذريتي أو وجاعل بعض من ذريتي.
والذّريّة نسل الرجل وما توالد منه ومن أبنائه وبناته ، وهي مشتقة إما من الذّرّ اسما وهو صغار النمل ، وإما من الذّرّ مصدرا بمعنى التفريق ، وإما من الذّرى والذّرو (بالياء والواو) وهو مصدر ذرت الريح إذا سفت ، وإما من الذرء بالهمز وهو الخلق ، فوزنها إما فعليّة بوزن النسب إلى ذر وضم الذال في النسب على غير قياس كما قالوا في النسب إلى دهر دهريّ بضم الدال ، وإما فعّيلة أو فعّولة من الذرى أو الذرو أو الذرء بإدغام الياءين أو الياء مع الواو أو الياء مع الهمزة بعد قلبها ياء وكل هذا تصريف لاشتقاق الواضع فليس قياس التصريف.
وإنما قال إبراهيم : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) ولم يقل وذريتي لأنه يعلم أن حكمة الله من هذا العالم لم تجر بأن يكون جميع نسل أحد ممن يصلحون لأن يقتدى بهم فلم يسأل ما هو مستحيل عادة لأن سؤال ذلك ليس من آداب الدعاء.
وإنما سأل لذريته ولم يقصر السؤال على عقبه كما هو المتعارف في عصبية القائل