فامتثل كقولك دعوت فلانا فأجاب.
وجملة (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئا عما اقتضاه قوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) من تعظيم الخبر والتنويه به ، لما يقتضيه ظرف (إذ) من الإشارة إلى قصة من الأخبار التاريخية العظيمة فيترقب السامع ما يترتب على اقتصاصها ، ويجوز أن يكون الفصل على طريقة المقاولة لأن هذا القول مجاوبة لما دل عليه قوله : (ابْتَلى).
والإمام مشتق من الأم بفتح الهمزة وهو القصد وهو وزن فعال من صيغ الآلة سماعا كالعماد والنقاب والإزار والرداء ، فأصله ما يحصل به الأم أي القصد ولما كان الدال على الطريق يقتدي به السائر دل الإمام على القدوة والهادي.
والمراد بالإمام هنا الرسول فإن الرسالة أكمل أنواع الإمامة والرسول أكمل أفراد هذا النوع. وإنما عدل عن التعبير برسولا إلى (إِماماً) ليكون ذلك دالا على أن رسالته تنفع الأمة المرسل إليها بطريق التبليغ ، وتنفع غيرهم من الأمم بطريق الاقتداء ، فإن إبراهيم عليهالسلام رحل إلى آفاق كثيرة فتنقل من بلاد الكلدان إلى العراق وإلى الشام والحجاز ومصر ، وكان في جميع منازله محل التبجيل ولا شك أن التبجيل يبعث على الاقتداء ، وقد قيل إن دين برهما المتّبع في الهند أصله منسوب إلى اسم إبراهم عليهالسلام مع تحريف أدخل على ذلك الدين كما أدخل التحريف على الحنيفية ، وليتأتّى الإيجاز في حكاية قول إبراهيم الآتي (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) ، فيكون قد سأل أن يكون في ذريته الإمامة بأنواعها من رسالة وملك وقدوة على حسب التهيّؤ فيهم ، وأقل أنواع الإمامة كون الرجل الكامل قدوة لبنيه وأهل بيته وتلاميذه.
وقوله : (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) جواب صدر من إبراهيم فلذا حكي بقال دون عاطف على طريق حكاية المحاورات كما تقدم عند قوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) [البقرة : ٣٠] والمقول معطوف على خطاب الله تعالى إياه يسمونه عطف التلقين وهو عطف المخاطب كلاما على ما وقع في كلام المتكلم تنزيلا لنفسه في منزلة المتكلم يكمّل له شيئا تركه المتكلم إما عن غفلة وإما عن اقتصار فيلقنه السامع تداركه بحيث يلتئم من الكلامين كلام تام في اعتقاد المخاطب.
وفي الحديث الصحيح قال جرير بن عبد الله «بايعت النبي على شهادة أن لا إله إلا الله ـ إلخ ـ فشرط عليّ والنصح لكل مسلم» ، ومنه قول ابن الزبير للذي سأله فلم يعطه