معظم المصاحف الأصلية إلا إبراهيم بإثبات الياء ، قال أبو عمرو الداني لم أجد في مصاحف العراق والشام مكتوبا إبراهم بميم بعد الهاء ولم يكتب في شيء من المصاحف إبراهام بالألف بعد الهاء على وفق قراءة هشام ، قال أبو زرعة سمعت عبد الله بن ذكوان قال : سمعت أبا خليد القارئ يقول في القرآن ستة وثلاثون موضعا إبراهام قال أبو خليد : فذكرت ذلك لمالك بن أنس فقال عندنا مصحف قديم فنظر فيه ثم أعلمني أنه وجدها فيه كذلك ، وقال أبو بكر ابن مهران روى عن مالك بن أنس أنه قيل له : إن أهل دمشق يقرءون إبراهام ويدعون أنها قراءة عثمان رضياللهعنه فقال مالك ها مصحف عثمان عندي ثم دعا به فإذا فيه كما قرأ أهل دمشق.
وتقديم المفعول وهو لفظ (إبراهيم) لأن المقصود تشريف إبراهيم بإضافة اسم رب إلى اسمه مع مراعاة الإيجاز فلذلك لم يقل وإذ ابتلى الله إبراهيم.
والكلمات الكلام الذي أوحى الله به إلى إبراهيم إذ الكلمة لفظ يدل على معنى والمراد بها هنا الجمل كما في قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) [المؤمنون : ١٠٠] ، وأجملها هنا إذ ليس الغرض تفصيل شريعة إبراهيم ولا بسط القصة والحكاية وإنما الغرض بيان فضل إبراهيم ببيان ظهور عزمه وامتثاله لتكاليف فأتى بها كاملة فجوزي بعظيم الجزاء ، وهذه عادة القرآن في إجمال ما ليس بمحل الحاجة ، ولعل جمع الكلمات جمع السلامة يؤذن بأن المراد بها أصول الحنيفية وهي قليلة العدد كثيرة الكلفة ، فلعل منها الأمر بذبح ولده ، وأمره بالاختتان ، وبالمهاجرة بهاجر إلى شقة بعيدة وأعظم ذلك أمره بذبح ولده إسماعيل بوحي من الله إليه في الرؤيا ، وقد سمي ذلك بلاء في قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) [الصافات : ١٠٦].
وقوله : (فَأَتَمَّهُنَ) جيء فيه بالفاء للدلالة على الفور في الامتثال وذلك من شدة العزم. والإتمام في الأصل الإتيان بنهاية الفعل أو إكمال آخر أجزاء المصنوع.
وتعدية فعل أتم إلى ضمير (كلمات) مجاز عقلي ، وهو من تعليق الفعل بحاوي المفعول لأنه كالمكان له وفي معنى الإتمام قوله تعالى : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم : ٣٧] ، وقوله : (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) [الصافات : ١٠٥] ، فالإفعال هنا بمعنى إيقاع الفعل على الوجه الأتم وليس المراد بالهمز التصيير أي صيرها تامة بعد أن كانت ناقصة إذ ليس المراد أنه فعل بعضها ثم أتى بالبعض الآخر ، فدل قوله : (فَأَتَمَّهُنَ) مع إيجازه على الامتثال وإتقانه والفور فيه. وهذه الجملة هي المقصود من جزء القصة فيكون عطفها للدلالة على أنه ابتلى