بزنة فعل الدال على معنى المفعول مثل ذبح وقشر وكسر وفلق. واتصاله بعلامة التأنيث لإرادة الواحدة مثل تأنيث قشرة وكسرة وفلقة ، فالصبغة الصبغ المعين المحضر لأن يصبغ به. وانتصابه على أنه مفعول مطلق نائب عن عامله أي صبغنا صبغة الله كما انتصب (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) [الروم : ٦] بعد قوله : (يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم : ٥] بتقدير وعدهم النصر. أو على أنه بدل من قوله : (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) [البقرة : ١٣٥] أي الملة التي جعلها الله شعارنا كالصبغة عند اليهود والنصارى ، أو منصوبا وصفا لمصدر محذوف دل عليه فعل (آمَنَّا بِاللهِ) والتقدير آمنا إيمانا صبغة الله ، وهذا هو الوجه الملائم لإطلاق صبغة على وجه المشاكلة ، وما ادعاه صاحب «الكشاف» من أنه يفضي إلى تفكيك النظم تهويل لا يعبأ به في الكلام البليغ لأن التئام المعاني والسياق يدفع التفكك ، وهل الاعتراض والمتعلقات إلا من قبيل الفصل يتفكك بها الألفاظ ولا تؤثر تفككا في المعاني ، وجعله صاحب «الكشاف» تبعا لسيبويه مصدرا مبينا للحالة مثل الجلسة والمشية وجعلوا نصبه على المفعول المطلق المؤكد لنفسه أي لشيء هو عينه أي إن مفهوم المؤكد (بالفتح) والتأكيد متحدان فيكون مؤكدا لآمنا لأن الإيمان والصبغة متلازمان على حد انتصاب (وَعْدَ اللهِ) من قوله تعالى : (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) توكيدا لمضمون الجملة التي قبله وهي قوله : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ) [الروم : ٤ ، ٥] وفيه تكلفتان لا يخفيان.
والصبغة هنا اسم للماء الذي يغتسل به اليهود عنوانا على التوبة لمغفرة الذنوب والأصل فيها عندهم الاغتسال الذي جاء فرضه في التوراة على الكاهن إذا أراد تقديم قربان كفارة عن الخطيئة عن نفسه أو عن أهل بيته ، والاغتسال الذي يغتسله الكاهن أيضا في عيد الكفارة عن خطايا بني إسرائيل في كل عام ، وعند النصارى الصبغة أصلها التطهر في نهر الأردن وهو اغتسال سنه النبي يحيى بن زكرياء لمن يتوب من الذنوب فكان يحيى يعظ بعض الناس بالتوبة فإذا تابوا أتوه فيأمرهم بأن يغتسلوا في نهر الأردن رمزا للتطهر الروحاني وكانوا يسمون ذلك «معموذيت» بذال معجمة وبتاء فوقية في آخره ويقولون أيضا معموذيتا بألف بعد التاء وهي كلمة من اللغة الآرامية معناها الطهارة ، وقد عربه العرب فقالوا معمودية بالدال المهملة وهاء تأنيث في آخره وياؤه التحتية مخففة.
وكان عيسى بن مريم حين تعمد بماء المعمودية أنزل الله عليه الوحي بالرسالة ودعا اليهود إلى ما أوحى الله به إليه وحدث كفر اليهود بما جاء به عيسى وقد آمن به يحيى فنشأ