الشقاق بين اليهود وبين يحيى وعيسى فرفض اليهود التعميد ، وكان عيسى قد عمد الحواريين الذين آمنوا به ، فتقرر في سنة النصارى تعميد من يدخل في دين النصرانية كبيرا ، وقد تعمد قسطنطين قيصر الروم حين دخل في دين النصرانية ، أما من يولد للنصارى فيعمدونه في اليوم السابع من ولادته.
وإطلاق اسم الصبغة على المعمودية يحتمل أن يكون من مبتكرات القرآن ويحتمل أن يكون نصارى العرب سموا ذلك الغسل صبغة ، ولم أقف على ما يثبت ذلك من كلامهم في الجاهلية ، وظاهر كلام الراغب أنه إطلاق قديم عند النصارى إذ قال : «وكانت النصارى إذا ولد لهم ولد غمسوه بعد السابع في ماء معمودية يزعمون أن ذلك صبغة لهم».
أما وجه تسمية المعمودية (صبغة) فهو خفي إذ ليس لماء المعمودية لون فيطلق على التلطخ به مادة ص ب غ وفي «دائرة المعارف الإسلامية» (١) أن أصل الكلمة من العبرية ص ب ع أي غطس ، فيقتضي أنه لما عرب أبدلوا العين المهملة غينا معجمة لعله لندرة مادة صبع بالعين المهملة في المشتقات وأيا ما كان فإطلاق الصبغة على ماء المعمودية أو على الاغتسال به استعارة مبنية على تشبيه وجهه تخييلي إذ تخيلوا أن التعميد يكسب المعمد به صفة النصرانية ويلونه بلونها كما يلون الصبغ ثوبا مصبوغا وقريب منه إطلاق الصبغ على عادة القوم وخلقهم وأنشدوا لبعض ملوك همدان :
وكل أناس لهم صبغة |
|
وصبغة همدان خير الصّبغ |
صبغنا على ذلك أبناءنا |
|
فأكرم بصبغتنا في الصبغ |
وقد جعل النصارى في كنائسهم أحواضا صغيرة فيها ماء يزعمون أنه مخلوط ببقايا الماء الذي أهرق على عيسى حين عمده يحيى وإنما تقاطر منه جمع وصب في ماء كثير ومن ذلك الماء تؤخذ مقادير تعتبر مباركة لأنها لا تخلو عن جزء من الماء الذي تقاطر من اغتسال عيسى حين تعميده كما ذلك في أوائل الأناجيل الأربعة.
فقوله : (صِبْغَةَ اللهِ) رد على اليهود والنصارى معا أما اليهود فلأن الصبغة نشأت فيهم وأما النصارى فلأنها سنة مستمرة فيهم ، ولما كانت المعمودية مشروعة لهم لغلبة تأثير المحسوسات على عقائدهم رد عليهم بأن صبغة الإسلام الاعتقاد والعمل المشار إليهما
__________________
(١) في مادة الصابئة.