بقوله : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) [البقرة : ١٣٦] إلى قوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة : ١٣٦] أي إن كان إيمانكم حاصلا بصبغة القسيس فإيماننا بصبغ الله وتلوينه أي تكييفه الإيمان في الفطرة مع إرشاده إليه ، فإطلاق الصبغة على الإيمان استعارة علاقتها المشابهة وهي مشابهة خفية حسنها قصد المشاكلة ، والمشاكلة من المحسنات البديعية ومرجعها إلى الاستعارة وإنما قصد المشاكلة باعث على الاستعارة ، وإنما سماها العلماء المشاكلة لخفاء وجه التشبيه فأغفلوا أن يسموها استعارة وسموها المشاكلة ، وإنما هي الإتيان بالاستعارة لداعي مشاكلة لفظ للفظ وقع معه. فإن كان اللفظ المقصود مشاكلته مذكورا فهي المشاكلة ، ولنا أن نصفها بالمشاكلة التحقيقية كقول ابن الرّقعمق (١) :
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه |
|
قلت اطبخوا لي جبّة وقميصا |
استعار الطبخ للخياطة لمشاكلة قوله نجد لك طبخه ، وإن كان اللفظ غير مذكور بل معلوما من السياق سميت مشاكلة تقديرية كقول أبي تمام :
من مبلغ أفناء يعرب كلها |
|
أني بنيت الجار قبل المنزل |
استعار البناء للاصطفاء والاختيار لأنه شاكل به بناء المنزل المقدر في الكلام المعلوم من قوله قبل المنزل ، وقوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ) من هذا القبيل والتقدير في الآية أدق من تقدير بيت أبي تمام وهو مبني على ما هو معلوم من عادة النصارى واليهود بدلالة قوله : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١٣٥] على ما يتضمنه من التعميد.
والاستفهام في قوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) إنكاري ومعناه لا أحسن من الله في شأن صبغته ، فانتصب (صبغة) على التمييز ، تمييز نسبة محول عن مبتدأ ثان يقدر بعد (من) في قوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ) والتقدير ومن صبغته أحسن من الله أي من صبغة الله قال أبو حيان في «البحر المحيط» : وقل ما ذكر النحاة في التمييز المحول عن المبتدأ.
وقد تأتي بهذا التحويل في التمييز إيجاز بديع إذ حذف كلمتان بدون لبس فإنه لما أسندت الأحسنية إلى من جاز دخول من التفضيلية على اسم الجلالة بتقدير مضاف لأن
__________________
(١) هو أحمد بن محمد الأنطاكي ويكنى أبا حامد توفي سنة ٣٩٩ ه وكني أبا الرقعمق (براء مفتوحة وقاف مفتوحة وعين ساكنة وميم مفتوحة آخره قاف) ولم أقف على معناه وهو ليس بعربي ولعله لفظ هزلي وقبل هذا البيت قوله :
إخواننا قصدوا الصّبوح بسحرة |
|
فأتى رسولهم إليّ خصيصا |