والأنفس : جمع نفس ، وهي الشخص والذات قال تعالى : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) وتطلق على الروح الذي به الحياة والإدراك.
ومعنى التوفي يتعلق بالأنفس على كلا الإطلاقين. والمعنى : يتوفّى الناس الذين يموتون فإن الذي يوصف بالموت هو الذات لا الروح وأنّ توفيها سلب الأرواح عنها.
وقوله : (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ) عطف على الأنفس باعتبار قيد (حِينَ مَوْتِها) لأنه في معنى الوصف فكأنه قيل يتوفى الأنفس التي تموت في حالة نومها ، والأنفس التي لم تمت في نومها فأفاقت. ويتعلق (فِي مَنامِها) بقوله : (يَتَوَفَّى) ، أي ويتوفى أنفسا لم تمت يتوفاها في منامها كل يوم ، فعلم أن المراد بتوفّيها هو منامها ، وهذا جار على وجه التشبيه بحسب عرف اللغة إذ لا يطلق على النائم ميّت ولا متوفى. وهو تشبيه نحي به منحى التنبيه إلى حقيقة علمية فإن حالة النوم حالة انقطاع أهم فوائد الحياة عن الجسد وهي الإدراك سوى أن أعضاءه الرئيسيّة لم تفقد صلاحيتها للعودة إلى أعمالها حين الهبوب من النوم ، ولذلك قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) كما تقدم في سورة الأنعام [٦٠].
والفاء في (فَيُمْسِكُ) فاء الفصيحة لأن ما تقدم يقتضي مقدرا يفصح عنه الفاء لبيان توفي النفوس في المقام.
والإمساك : الشدّ باليد وعدم تسليم المشدود. والمعنى : فيبقي ولا يردّ النفس التي قضى عليها بالموت ، أي يمنعها أن ترجع إلى الحياة فإطلاق الإمساك على بقاء حالة الموت تمثيل لدوام تلك الحالة. ومن لطائفه أن أهل الميت يتمنون عود ميتهم لو وجدوا إلى عوده سبيلا ولكن الله لم يسمح لنفس ماتت أن تعود إلى الحياة.
والإرسال : الإطلاق والتمكين من مبارحة المكان للرجوع إلى ما كان والمراد ب (الْأُخْرى الَّتِي لَمْ تَمُتْ) ولكن الله جعلها بمنزلة الميتة. والمعنى : يرد إليها الحياة كاملة. والمقصود من هذا إبراز الفرق بين الوفاتين.
ويتعلق (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) بفعل (يُرْسِلُ) لما فيه من معنى يرد الحياة إليها ، أي فلا يسلبها الحياة كلّها إلا في أجلها المسمى ، أي المعيّن لها في تقدير الله تعالى.
والتسمية : التعيين ، وتقدمت في قوله تعالى : (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) في سورة البقرة [٢٨٢].