يصلح هذا أن يكون مثلا لحال ضلال الضالين وهدى المهتدين نشأ عن قوله : (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ) إلى قوله : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [الزمر : ٤١].
والمعنى : أن استمرار الضالّ على ضلاله قد يحصل بعده اهتداء وقد يوافيه أجله وهو في ضلاله فضرب المثل لذلك بنوم النائم قد تعقبه إفاقة وقد يموت النائم في نومه ، وهذا تهوين على نفس النبي صلىاللهعليهوسلم برجاء إيمان كثير ممن هم يومئذ في ضلال وشرك كما تحقّق ذلك. فتكون الجملة تعليلا للجملة قبلها ولها اتصال بقوله : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) إلى قوله : (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الزمر : ٢٢].
ويجوز أن يكون انتقالا إلى استدلال على تفرد الله تعالى بالتصرف في الأحوال فإنه ذكر دليل التصرف بخلق الذوات ابتداء من قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) إلى قوله : (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) [الزمر : ٥ ، ٦] ، ثم دليل التصرف بخلق أحوال ذوات وإنشاء ذوات من تلك الأحوال وذلك من قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) إلى قوله : (لِأُولِي الْأَلْبابِ) [الزمر : ٢١] وأعقب كل دليل بما يظهر فيه أثره من الموعظة والعبرة والزجر عن مخالفة مقتضاه ، فانتقل هنا إلى الاستدلال بحالة عجيبة من أحوال أنفس المخلوقات وهي حالة الموت وحالة النوم. وقد أنبأ عن الاستدلال قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ، فهذا دليل للناس من أنفسهم ، قال تعالى : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات : ٢١] وقال : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [الروم : ٢٨] ، فتكون الجملة استئنافا ابتدائيا للتدرج في الاستدلال ولها اتصال بجملة (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) وجملة (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ) المتقدمتين ، وعلى كلا الوجهين أفادت الآية إبراز حقيقتين عظيمتين من نواميس الحياتين النفسية والجسدية وتقديم اسم الجلالة على الخبر الفعلي لإفادة تخصيصه بمضمون الخبر ، أي الله يتوفّى لا غيره فهو قصر حقيقي لإظهار فساد أن أشركوا به آلهة لا تملك تصرفا في أحوال الناس.
والتوفّي : الإماتة ، وسميت توفّيا لأن الله إذا أمات أحدا فقد توفّاه أجله فالله المتوفّي وملك الموت متوفّ أيضا لأنه مباشر التوفّي.
والميت : متوفى بصيغة المفعول ، وشاع ذلك فصار التوفّي مرادفا للإماتة والوفاة مرادفة للموت بقطع النظر عن كيفية تصريف ذلك واشتقاقه من مادة الوفاء.
وتقدم في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) في سورة البقرة [٢٣٤] : وقوله : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) في سورة السجدة [١١].