(أَمِ) منقطعة وهي للاضراب الانتقالي انتقالا من تشنيع إشراكهم إلى إبطال معاذيرهم في شركهم ، ذلك أنهم لما دمغتهم حجج القرآن باستحالة أن يكون لله شركاء تمحّلوا تأويلا لشركهم فقالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] كما حكي عنهم في أول هذه السورة ، فلما استوفيت الحجج على إبطال الشرك أقبل هنا على إبطال تأويلهم منه ومعذرتهم. والاستفهام الذي تشعر به (أَمِ) في جميع مواقعها هو هنا للإنكار بمعنى أن تأويلهم وعذرهم منكر كما كان المعتذر عنه منكرا فلم يقضوا بهذه المعذرة وطرا. وقد تقدم في أول السورة بيان مرادهم بكونهم شفعاء.
وأمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بأن يقول لهم مقالة تقطع بهتانهم وهي (أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ).
فالواو في (أَوَلَوْ كانُوا) عاطفة كلام المجيب على كلامهم وهو من قبيل ما سمّي بعطف التلقين في قوله تعالى : (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) في سورة البقرة [١٢٤] ، ولك أن تجعل الواو للحال كما هو المختار في نظيره. وتقدم في قوله : (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) في سورة آل عمران [٩١]. وصاحب الحال مقدر دل عليه ما قبله من قوله : (اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ). والتقدير : أيشفعون لو كانوا لا يملكون شيئا. والظاهر أن حكم تصدير الاستفهام قبل واو الحال كحكم تصديره قبل واو العطف.
وأفاد تنكير (شَيْئاً) في سياق النفي عموم كل ما يملك فيدخل في عمومه جميع أنواع الشفاعة. ولما كانت الشفاعة أمرا معنويا كان معنى ملكها تحصيل إجابتها ، والكلام تهكم إذ كيف يشفع من لا يعقل فإنه لعدم عقله لا يتصور خطور معنى الشفاعة عنده فضلا عن أن تتوجه إرادته إلى الاستشفاع فاتخاذهم شفعاء من الحماقة.
ولما نفى أن يكون لأصنامهم شيء من الشفاعة في عموم نفي ملك شيء من الموجودات عن الأصنام ، قوبل بقوله : (لِلَّهِ الشَّفاعَةُ) أي الشفاعة كلها لله. وأمر الرسولصلىاللهعليهوسلم بأن يقول ذلك لهم ليعلموا أن لا يملك الشفاعة إلا الله ، أي هو مالك إجابة شفاعة الشفعاء الحقّ. وتقديم الخبر المجرور وهو (لِلَّهِ) على المبتدأ لإفادة الحصر. واللام للملك ، أي قصر ملك الشفاعة على الله تعالى لا يملك أحد الشفاعة عنده.
و (جَمِيعاً) حال من الشفاعة مفيدة للاستغراق ، أي لا يشذ جزئي من جزئيات حقيقة الشفاعة عن كونه ملكا لله وقد تأكد بلازم هذه لحال ما دل عليه الحصر من انتفاء أن يكون شيء من الشفاعة لغير الله.