ومعنى (إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) إذا ذكرت أصنامهم بوصف الإلهية وذلك حين يسمعون أقوال جماعة المشركين في أحاديثهم وأيمانهم باللات والعزى ، أي ولم يذكر اسم الله معها فاستبشارهم بالاقتصار على ذكر أصنامهم مؤذن بأنهم يرجحون جانب الأصنام على جانب الله تعالى. والذكر : هو النطق بالاسم. والمراد إذا ذكر المسلمون اسم الله اشمأز المشركون لأنهم لم يسمعوا ذكر آلهتهم وإذا ذكر المشركون أسماء أصنامهم استبشر الذين يسمعونهم من قومهم. والتعبير عن آلهتهم ب (الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) دون لفظ : شركائهم أو شفعائهم ، للإيماء إلى أن علة استبشارهم بذلك الذكر هو أنه ذكر من هم دون الله ، أي ذكر مناسب لهذه الصلة ، أي هو ذكر خال عن اسم الله ، فالمعنى : وإذا ذكر شركاؤهم دون ذكر الله إذا هم يستبشرون.
والاقتصار على التعرض لهذين الذكرين لأنهما أظهر في سوء نوايا المشركين نحو الله تعالى ، وفي بطلان اعتذارهم بأنهم ما يعبدون الأصنام إلا ليقرّبوهم إلى الله ويشفعوا لهم عنده ، فأما الذكر الذي يذكر فيه اسم الله وأسماء آلهتهم كقولهم في التلبية : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ، فذلك ذكر لا مناسبة له بالمقام.
وذكر جمع من المفسرين لقوله : (إِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) أنه إشارة إلى ما يروى من قصة الغرانيق ، ونسب تفسير ذلك بذلك إلى مجاهد ، وهو بعيد عن سياق الآية. ومن البناء على الأخبار الموضوعة فلله در من أعرضوا عن ذكر ذلك.
والاشمئزاز : شدة الكراهية والنفور ، أي كرهت ذلك قلوبهم ومداركهم.
والاستبشار : شدة الفرح حتى يظهر أثر ذلك على بشرة الوجه ، وتقدم في قوله : (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) في سورة الحجر [٦٧].
ومقابلة الاشمئزاز بالاستبشار مطابقة كاملة لأن الاشمئزاز غاية الكراهية والاستبشار غاية الفرح.
والتعبير عن المشركين ب (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) لأنهم عرفوا بهذه الصلة بين الناس مع قصد إعادة تذكيرهم بوقوع القيامة.
و (إِذا) الأولى و (إِذا) الثانية ظرفان مضمنان معنى الشرط كما هو الغالب. و (إِذا) الثالثة للمفاجأة للدلالة على أنهم يعاجلهم الاستبشار حينئذ من فرط حبهم آلهتهم. ولذلك جيء بالمضارع في (يَسْتَبْشِرُونَ) دون أن يقال : مستبشرون ، لإفادة تجدّد استبشارهم.