التلاحم على انتصار إحدى الطائفتين ، فكان في إنارة السبيل لها ما يسهل خطو الحائرين في ظلمات الشك ويرتفق بها ويواسيها بعد أن أثخنتها جروح التوبيخ والزجر والوعيد ويضمد تلك الجراحة والحليم يزجر ويلين وتثير في نفس النبي صلىاللهعليهوسلم خشية أن يحيط غضب الله بالذين دعاهم إليه فأعرضوا أو حببهم في الحق فأبغضوا فلعله لا يفتح لهم باب التوبة ولا تقبل منهم بعد إعراضهم أوبة ولا سيما بعد أن أمره بتفويض الأمر إلى حكمه المشتمّ منه ترقب قطع الجدال وفصمه فكان أمره لرسوله صلىاللهعليهوسلم بأن يناديهم بهذه الدعوة تنفيسا عليه وتفتيحا لباب الأوبة إليه فهذا كلام ينحل إلى استئنافين فجملة (قُلْ) استئناف لبيان ما ترقّبه أفضل النبيئين صلىاللهعليهوسلم ، أي بلغ عني هذا القول.
وجملة (يا عِبادِيَ) استئناف ابتدائي من خطاب الله لهم. وابتداء الخطاب بالنداء وعنوان العباد مؤذن بأن ما بعده إعداد للقبول وإطماع في النجاة.
والخطاب بعنوان (يا عِبادِيَ) مراد به المشركون ابتداء بدليل قوله : (وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ) [الزمر : ٥٤] وقوله : (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) [الزمر: ٥٦] وقوله : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) [الزمر : ٥٩]. فهذا الخطاب جرى على غير الغالب في مثله في عادة القرآن عند ذكر (عِبادِي) بالإضافة إلى ضمير المتكلم تعالى.
وفي «صحيح البخاري» عن ابن عباس «أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا ، وزنوا وأكثروا ، فأتوا محمدا صلىاللهعليهوسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ـ يعني وقد سمعوا آيات الوعيد لمن يعمل تلك الأعمال وإلا فمن أين علموا أن تلك الأعمال جرائم وهم في جاهلية ـ فنزل : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) [الفرقان : ٦٨] يعني إلى قوله : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) [الفرقان : ٧٠] ونزل : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ).
وقد رويت أحاديث عدة في سبب نزول هذه الآية غير حديث البخاري وهي بين ضعيف ومجهول ويستخلص من مجموعها أنها جزئيات لعموم الآية وأن الآية عامة لخطاب جميع المشركين وقد أشرنا إليها في ديباجة تفسير السورة. ومن أجمل الأخبار المروية فيها ما رواه ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال : «لما اجتمعنا على الهجرة اتّعدت أنا وهشام بن العاص السهمي ، وعيّاش بن أبي ربيعة بن عتبة. فقلنا :