اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) في سورة آل عمران [١٠٦ ، ١٠٧]. ويجوز أن يكون ابيضاض الوجوه مستعملا في النضرة والبهجة قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) [القيامة : ٢٢] ، وقال حسان بن ثابت :
بيض الوجوه كريمة أحسابهم
ويقولون في الذي يخصل خصلة يفتخر بها قومه : بيّضت وجوهنا. والخطاب في قوله: (تَرَى) لغير معين.
وجملة (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) مبتدأ وخبر ، وموقع الجملة موقع الحال من (الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ) ، لأن الرؤية هنا بصرية لا ينصب فعلها مفعولين. ولا يلزم اقتران جملة الحال الاسمية بالواو.
و (الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ) : هم الذين نسبوا إليه ما هو منزه عنه من الشريك وغير ذلك من تكاذيب الشرك ، فالذين كذبوا على الله هم الذين ظلموا الذين ذكروا في قوله : (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) [الزمر : ٥١] ، وصفوا أولا بالظلم ثم وصفوا بالكذب على الله في حكاية أخرى فليس قوله : (الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ) إظهارا في مقام الإضمار.
ويدخل في (الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ) كل من نسب إلى الله صفة لا دليل له فيها ، ومن شرع شيئا فزعم أن الله شرعه متعمدا قاصدا ترويجه للقبول بدون دليل ، فيدخل أهل الضلال الذين اختلقوا صفات لله أو نسبوا إليه تشريعا ، ولا يدخل أهل الاجتهاد المخطئون في الأدلة سواء في الفروع بالاتفاق وفي الأصول على ما نختاره إذا استفرغوا الجهود. ونسبة شيء إلى الله أمرها خطير ، ولذلك قال أئمتنا : إن الحكم المقيس غير المنصوص يجوز أن يقال هو دين الله ولا يجوز أن يقال : قاله الله.
ولذلك فجملة (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) واقعة موقع الاستئناف البياني لجملة (تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) على كلا المعنيين لأن السامع يسأل عن سبب اسوداد الوجوه فيجاب بأن في جهنم مثواهم يعني لأن السواد يناسب ما سيلفح وجوههم من مسّ النار فأجيب بطريقة الاستفهام التقريري بتنزيل السائل المقدّر منزلة من يعلم أن مثواهم جهنم فلا يليق به أن يغفل عن مناسبة سواد وجوههم ، لمصيرهم إلى النار ، فإن للدخائل عناوينها ، وهذا الاستفهام كما في قوله تعالى : (لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَ