والأحزاب : جمع حزب بكسر الحاء وسكون الزاي وهو اسم للجماعة الذين هم سواء في شأن : من اعتقاد أو عمل أو عادة. والمراد بهم هنا الأمم الذين كانت كل أمة منهم متفقة في الدين ، فكل أمة منهم حزب فيما اتفقت عليه.
وفي قوله : (مِنْ بَعْدِهِمْ) إشارة إلى أن قوم نوح كانوا حزبا أيضا فكانوا يدينون بعبادة الأصنام : يغوث ، ويعوق ، ونسر ، وودّ ، وسواع ، وكذلك كانت كل أمة من الأمم التي كذبت الرسل حزبا متفقين في الدين ، فعاد حزب ، وثمود حزب ، وأصحاب الأيكة حزب ، وقوم فرعون حزب. والمعنى : أنهم جميعا اشتركوا في تكذيب الرسل وإن تخالف بعض الأمم مع بعضها في الأديان. وفي الجمع بين (قَبْلَهُمْ) و (مِنْ بَعْدِهِمْ) محسّن الطباق في الكلام.
والهمّ : العزم. وحقه أن يعدّى بالباء إلى المعاني لأن العزم فعل نفساني لا يتعلق إلا بالمعاني. كقوله تعالى : (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) [التوبة : ٧٤] ، ولا يتعدّى إلى الذوات ، فإذا عدّي إلى اسم ذات تعيّن تقدير معنى من المعاني التي تلابس الذات يدل عليها المقام كما في قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) [يوسف : ٢٤] أي همّت بمضاجعته. وقد يذكر بعد اسم الذات ما يدل على المعنى الذي يهمّ به كما في قوله هنا : (لِيَأْخُذُوهُ) إن الهمّ بأخذه ، وارتكاب هذا الأسلوب لقصد الإجمال الذي يعقبه التفصيل ، ومثله تعلق أفعال القلوب بالأسماء في ظننتك جائيا ، أي ظننت مجيئك.
والأخذ يستعمل مجازا بمعنى التصرف في الشيء بالعقاب والتعذيب والقتل ونحو ذلك من التنكيل ، قال تعالى : (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) [الحاقة : ١٠] ويقال للأسير : أخيذ ، وللقتيل : أخيذ.
واختير هذا الفعل هنا ليشمل مختلف ما همّت به كل أمة برسولها من قتل أو غيره كما قال تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) [الأنفال : ٣٠].
والمعنى : أن الأمم السابقة من الكفرة لم يقتصروا على تكذيب الرسول بل تجاوزوا ذلك إلى غاية الأذى من الهمّ بالقتل كما حكى الله عن ثمود : (قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) [النمل : ٤٩]. وقد تآمر كفار قريش على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة دار الندوة ليقتلوه أن يتجمع نفر من جميع عشائرهم فيضربوه بالسيوف ضربة رجل واحد كيلا يستطيع أولياؤه من بني هاشم الأخذ بثأره ، فأخذ الله الأمم عقوبة لهم على همهم برسلهم فأهلكهم واستأصلهم.