إيماء ورمز إلى أن المهم من هذه الآيات كلها هو موعظة أهل الشرك رجوعا إلى قوله : وكذلك حقت كلمات (رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) [غافر : ٦] والمراد ب (الَّذِينَ كَفَرُوا) هنا مشركو أهل مكة ، فإنهم المقصود بهذه الأخبار كما تقدم آنفا في قوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [غافر : ٧].
والمعنى : أنهم يناديهم الملائكة تبليغا عن رب العزة ، قال تعالى : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [فصلت : ٤٤] وهو بعد عن مرتبة الجلال ، أي ينادون وهم في جهنم كما دل عليه قوله : (فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) [غافر : ١١].
واللام في (لَمَقْتُ اللهِ) لام القسم. والمقت : شدة البغض. و (إِذْ تُدْعَوْنَ) ظرف ل (مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ).
و (إِذْ) ظرف للزمن الماضي ، أي حين كنتم تدعون إلى الإيمان على لسان الرسولصلىاللهعليهوسلم وذلك في الدنيا بقرينة (تُدْعَوْنَ) وجيء بالمضارع في (تُدْعَوْنَ) و (فَتَكْفُرُونَ) للدلالة على تكرر دعوتهم إلى الإيمان وتكرر كفرهم ، أي تجدده.
ومعنى : مقتهم أنفسهم حينئذ أنهم فعلوا لأنفسهم ما يشبه المقت إذ حرموها من فضيلة الإيمان ومحاسن شرائعه ورضوا لأنفسهم دين الكفر بعد أن أوقظوا على ما فيه من ضلال ومغبّة سوء ، فكان فعلهم ذلك شبيها بفعل المرء لبغيضه من الضر والكيد ، وهذا كما يقال : فلان عدو نفسه. وفي حديث سعد بن أبي وقاص عن عمر بن الخطاب أن عمر قال لنساء من قريش يسألن النبي صلىاللهعليهوسلم ويستكثرن ، فلما دخل عمر ابتدرن الحجاب فقال لهن : «يا عدوّات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلىاللهعليهوسلم».
فالمقت مستعار لقلة التدبر فيما يضر. وقد أشار إلى وجه هذه الاستعارة قوله : (إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ) فمناط الكلام هو (فَتَكْفُرُونَ) وفي ذكر (يُنادَوْنَ) ما يدل على كلام محذوف تقديره : أن الذين كفروا يمقتهم الله وينادون لمقت الله إلخ.
ومعنى مقت الله : بغضه إياهم وهو مجاز مرسل أطلق على المعاملة بآثار البغض من التحقير والعقاب فهو أقرب إلى حقيقة البغض لأن المراد به أثره وهو المعاملة بالنكال ، وهو شائع شيوع نظائره مما يضاف إلى الله مما تستحيل حقيقته عليه ، وهذا الخبر مستعمل في التوبيخ والتنديم.
و (أَكْبَرُ) بمعنى أشد وأخطر أثرا ، فإطلاق الكبر عليه مجاز لأن الكبر من أوصاف