والإنذار : إخبار فيه تحذير مما يسوء ، وهو ضد التبشير إذ هو إخبار بما فيه مسرة. وفعله المجرد : نذر كعلم ، يقال : نذر بالعدوّ فحذره. والهمزة في أنذر للتعدية فحقه أن لا يتعدى بالهمزة إلا إلى مفعول واحد ، وهو الذي كان فاعل الفعل المجرد ، وأن يتعدى إلى الأمر المخبر به بالباء ، يقال : أنذرتهم بالعدوّ ، غير أنه غلب في الاستعمال تضمينه معنى التحذير فعدوه إلى مفعول ثان وهو استعمال القرآن ، وأما قوله في أول الأعراف [٢] (لِتُنْذِرَ بِهِ) فالباء فيه للسببية أو الآلة المجازية وليست للتعدية. وضمير (بِهِ) عائدا إلى الكتاب.
والضمير المستتر في (لِيُنْذِرَ) عائد إلى اسم الجلالة من قوله : (فَادْعُوا اللهَ) [غافر : ١٤] ، والأحسن أن يعود على (مِنْ) الموصولة لينذر من ألقى عليه الروح قومه ، ولأن فيه تخلصا إلى ذكر الرسول الأعظم صلىاللهعليهوسلم الذي هو بصدد الإنذار دون الرسل الذين سبقوا إذ لا تلائمهم صيغة المضارع ولأنه مرجّح لإظهار اسم الجلالة في قوله : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) كما سيأتي.
و (يَوْمَ التَّلاقِ) هو يوم الحشر ، وسمي يوم التلاقي لأن الناس كلهم يلتقون فيه ، أو لأنهم يلقون ربهم لقاء مجازيا ، أي يقفون في حضرته وأمام أمره مباشرة كما قال تعالى : (الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) [يونس : ٧] أي لا يرجون يوم الحشر. وانتصب (يَوْمَ التَّلاقِ) على أنه مفعول ثان (لِيُنْذِرَ) ، وحذف المفعول الأول لظهوره ، أي لينذر الناس. وبين (التَّلاقِ) و (يُلْقِي) جناس.
وكتب (التَّلاقِ) في المصحف بدون ياء. وقرأه نافع وأبو عمرو في رواية عنه بكسرة بدون ياء. وقرأه الباقون بالياء لأنه وقع في الوصل لا في الوقف فلا موجب لطرح الياء إلا معاملة الوصل معاملة الوقف وهو قليل في النثر فيقتصر فيه على السماع. وكفى برواية نافع وأبي عمرو سماعا.
و (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) بدل من (يَوْمَ التَّلاقِ). و (هُمْ بارِزُونَ) جملة اسمية ، والمضاف ظرف مستقبل وذلك جائز على الأرجح بدون تقدير.
وضمير الغيبة عائد إلى (الْكافِرُونَ) من قوله : (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [غافر : ١٤].
وجملة (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) بيان لجملة (هُمْ بارِزُونَ) والمعنى : أنهم واضحة ظواهرهم وبواطنهم فإن ذلك مقتضى قولهم : (مِنْهُمْ شَيْءٌ).
وإظهار اسم الجلالة لأن إظهاره أصرح لبعد معاده بما عقبه من قوله : (عَلى مَنْ