يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال : ٣٦] أعيد الموصول ولم يؤت بضمير (الَّذِينَ كَفَرُوا) ليفيد تقديم الاسم على الفعل تقوّي الحكم.
والجملة من تمام الغرض الذي سيقت إليه جملة (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) [غافر : ١٩] كما تقدم ، وكلتاهما ناظرة إلى قوله : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ) [غافر : ١٨] أي أن ذلك من القضاء بالحق.
وأما جملة والذين تدعون (مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) فناظرة إلى جملة (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ) [غافر : ١٨] فبعد أن نفي عن أصنامهم الشفاعة ، نفي عنها القضاء بشيء ما بالحق أو بالباطل وذلك إظهار لعجزها. ولا تحسبنّ جملة والذين تدعون (مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) مسوقة ضميمة إلى جملة : (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) ليفيد مجموع الجملتين قصر القضاء بالحق على الله تعالى قصر قلب ، أي دون الأصنام ، كما أفيد القصر من ضم الجملتين في قول السموأل أو عبد الملك الحارثي :
تسيل على حد الظّبات نفوسنا |
|
وليست على غير الظّبات تسيل |
لأن المنفي عن آلهتهم أعمّ من المثبت لله تعالى ، وليس مثل ذلك مما يضاد صيغة القصر لكفى في إفادته تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي بحمله على إرادة الاختصاص في قوله : (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ). فالمراد من قوله : والذين تدعون (مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) التذكير بعجز الذين يدعونهم وأنهم غير أهل للإلهية ، وهذه طريقة في إثبات صفة لموصوف ثم تعقيب ذلك بإظهار نقيضه فيما يعدّ مساويا له كما في قول أمية بن أبي الصلت:
تلك المكارم لا قعبان من لبن |
|
شيبا بماء فصار فيما بعد أبوالا |
وإلّا لما كان لعطف قوله : لا قعبان من لبن ، مناسبة.
والدعاء يجوز أن يكون بمعنى النداء وأن يكون بمعنى العبادة كما تقدم آنفا.
وجملة (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) مقررة لجمل (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) إلى قوله : (لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) [غافر : ١٩ ، ٢٠]. فتوسيط ضمير الفصل مفيد للقصر وهو تعريض بأن آلهتهم لا تسمع ولا تبصر فكيف ينسبون إليها الإلهية ، وإثبات المبالغة في السمع والبصر لله تعالى يقرر معنى (يَقْضِي بِالْحَقِ) لأن العالم بكل شيء تتعلق حكمته بإرادة الباطل ولا تخطئ أحكامه بالعثار في الباطل. وتأكيد الجملة بحرف