ولم يتأتّ إلّا أن يصطفي من خلقه بعضه ويختصهم ويقربهم كما يختص الرجل ولده وقد فعل ذلك بالملائكة فغرّكم اختصاصه إياهم فزعمتم أنهم أولاده جهلا منكم بحقيقته المخالفة لحقائق الأجسام والأعراض». فجعل ما هو في الظاهر جواب (لَوْ) مفيدا معنى الاستدراك الذي يعقب المقدّم والتالي غالبا ، فلذلك فسره بمرادفه وهو الاستثناء الذي هو من تأكيد الشيء بما يشبه ضده.
وللتفتازاني بحث يقتضي عدم استقامة تقرير «الكشاف» لدليل شرط (لَوْ) وجوابه ، واستظهر أن (لَوْ) صهيبية تبعا لتقرير ذكره صاحب «الكشف». وبعد فإن كلام صاحب «الكشاف» يجعل هذه الآية منقطعة عن الآيات التي قبلها ، فيجعلها بمنزلة غرض مستأنف مع أن نظم الآية نظم الاحتجاج لا نظم الإفادة ، فكان محمل «الكشاف» فيها بعيدا. ومع قطع النظر عن هذا فإن في تقرير الملازمة في الاستدلال خفاء وتعسفا كما أشار إليه الشقّار في كتابه «التقريب مختصر الكشاف».
وقال ابن عطية : معنى اتخاذ الولد اتخاذ التشريف والتبنّي وعلى هذا يستقيم قوله : (لَاصْطَفى) وأما الاتخاذ المعهود في الشاهد (يعني اتخاذ النسل) فمستحيل أن يتوهم في جهة الله ولا يستقيم عليه قوله : (لَاصْطَفى). ومما يدل على أن معنى أن يتخذ الاصطفاء والتبني قوله : (مِمَّا يَخْلُقُ) أي من محداثته ا ه وتبعه عليه الفخر.
وبنى عليه صاحب «التقريب» فقال عقب تعقيب كلام «الكشاف» «والأولى ما قيل : لو أراد أن يتخذ ولدا كما زعمتم لاختار الأفضل (أي الذكور) لا الأنقص وهنّ الإناث». وقال التفتازانيّ في «شرح الكشاف» : هذا معنى الآية بحسب الظاهر ، وذكر أن صاحب «الكشاف» لم يسلكه للوجه الذي ذكره التفتازانيّ هناك. والذي سلكه ابن عطية وإن كان أقرب وأوضح من مسلك «الكشاف» في تقرير الدليل لكنه يشاركه في أنه لا يصل الآية بالآيات التي قبلها وينبغي أن لا تقطع بينها الأواصر ، وكم ترك الأول للآخر.
وجملة (سُبْحانَهُ) تنزيه له عما نسبوه إليه من الشركاء بعد أن أبطله بالدليل الامتناعي عودا إلى خطاب النبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين الذي فارقه من قوله : (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) [الزمر : ٢].
وجملة (هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) دليل للتنزيه المستفاد من (سُبْحانَهُ). فجملة (هُوَ اللهُ) تمهيد للوصفين ، وذكر اسمه العلم لإحضاره في الأذهان بالاسم المختص به فلذلك لم يقل : هو الواحد القهّار كما قال بعد : (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) [الزمر : ٥]. وإثبات