والاستفهام في قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ) مستعمل في الحث واللوم على خذلانهم وترك الاهتمام بما هم فيه من عذاب.
وجيء بالجملة الاسمية الدالة على الثبات ، أي هل من شأنكم أنكم مغنون عنّا. و (مُغْنُونَ) اسم فاعل من أغنى غناء بفتح الغين والمدّ ، أي فائدة وإجزاء.
والنصيب : الحظ والحصة من الشيء ، قال تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) إلى قوله : (نَصِيباً مَفْرُوضاً) [النساء : ٧].
وقد ضمّن (مُغْنُونَ) معنى دافعون ورادّون ، فلذلك عدي إلى مفعول وهو (نَصِيباً) أي جزءا من حر النار غير محدد المقدار من قوتها ، و (مِنَ النَّارِ) بيان ل (نَصِيباً) كقوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) [إبراهيم : ٢١] فهم قانعون بكل ما يخفف عنهم من شدة حرّ النار وغير طامعين في الخروج منها. ويجوز أن يكون (مُغْنُونَ) على معناه دون تضمين ويكون (نَصِيباً) منصوبا على المفعول المطلق لمغنون والتقدير غناء نصيبا ، أي غناء ما ولو قليلا. و (مِنَ النَّارِ) متعلقا ب (مُغْنُونَ) كقوله تعالى : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) [يوسف : ٦٧]. ويجوز أن يكون النصيب الجزء من أزمنة العذاب فيكون على حذف مضاف تقديره : من مدة النار.
ولما كان جواب الذين استكبروا للذين استضعفوا جاريا في مجرى المحاورة جرّد فعل (قالَ) من حرف العطف على طريقة المحاورة كما تقدم غير مرة.
ومعنى قولهم : (إِنَّا كُلٌّ فِيها) نحن وأنتم مستوون في الكون في النار فكيف تطمعون أن ندفع عنكم شيئا من العذاب. وعلى وجه أن يكون قول الضعفاء (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) إلى آخره توبيخا ولوما لزعمائهم يكون قول الزعماء (إِنَّا كُلٌّ فِيها) اعترافا بالغلط ، أي دعوا لومنا وتوبيخنا فقد كفانا أنا معكم في النار وتأكيد الكلام ب (إنّ) للاهتمام بتحقيقه أو لتنزيل من طالبوهم بالغناء عنهم من عذاب النار مع مشاهدتهم أنهم في العذاب مثلهم ، منزلة من يحسبهم غير واقعين في النار ، وفي هذا التنزيل ضرب من التوبيخ يقولون : ألستم تروننا في النار مثلكم فكيف نغني عنكم. و (كُلٌ) مرفوع بالابتداء وخبره (فِيها) والجملة من المبتدأ وخبره خبر (إنّ) وتنوين (كل) تنوين عوض عن المضاف إليه ، إذ التقدير : إنا كلّنا في النار.
وجملة (إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ) تتنزل منزلة بدل الاشتمال من جملة (إِنَّا كُلٌ