وقرن (فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ) بالفاء لإفادة كون هذا القول ناشئا عن تحاجّهم في النار مع كون ذلك دالا على أنه في معنى متعلّق (إِذْ) ، وهذا استعمال من استعمالات الفاء التي يسميها النحاة زائدة ، وأثبت زيادتها جماعة منهم الأخفش والفراء والأعلم وابن برهان ، وحكاه عن أصحابه البصريين. وضمير (يَتَحاجُّونَ) على هذا الوجه عائد إلى آل فرعون. ويفيد مع ذلك تعريضا بوعيد المشركين كما هو مقتضى المماثلة المسوقة وضمير (يَتَحاجُّونَ) غير عائد إلى (آلَ فِرْعَوْنَ) [غافر : ٤٦] لأن ذلك يأباه قوله : (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ) [غافر : ٤٩] وقوله : (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ) [غافر : ٥٠] ولم يأت آل فرعون إلا رسول واحد هو موسى عليهالسلام فيعود ضمير (يَتَحاجُّونَ) إلى معلوم من المقام وهم أهل النار.
والتحاجّ : الاحتجاج من جانبين فأكثر ، أي إقامة كل فريق حجته وهو يقتضي وقوع خلاف بين المتحاجّين إذ الحجة تأييد لدعوى لدفع الشك في صحتها.
والضعفاء : عامة الناس الذين لا تصرّف لهم في أمور الأمة. والذين استكبروا : سادة القوم ، أي الذين تكبروا كبرا شديدا ، فالسين والتاء فيه للمبالغة. وقول الضعفاء للكبراء هذا الكلام يحتمل أنه على حقيقته فهو ناشئ عما اعتادوه من اللجإ إليهم في مهمهم حين كانوا في الدنيا فخالوا أنهم يتولون تدبير أمورهم في ذلك المكان ولهذا أجاب الذين استكبروا بما يفيد أنهم اليوم سواء في العجز وعدم الحيلة فقالوا : (إِنَّا كُلٌّ فِيها) أي لو أغنينا عنكم لأغنينا عن أنفسنا.
وتقديم قولهم : (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) على طلب التخفيف عنهم من النار ، مقدمة للطلب لقصد توجيهه وتعليله وتذكيرهم بالولاء الذي بينهم في الدنيا ، يلهمهم الله هذا القول لافتضاح عجز المستكبرين أن ينفعوا أتباعهم تحقيرا لهم جزاء على تعاظمهم الذي كانوا يتعاظمون به في الدنيا.
ويحتمل أن قول الضعفاء ليس مستعملا في حقيقة الحث على التخفيف عنهم ولكنه مستعمل في التوبيخ ، أي كنتم تدعوننا إلى دين الشرك فكانت عاقبة ذلك أنا صرنا في هذا العذاب فهل تستطيعون الدفع عنا. وتأكيد (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) ب (إنّ) للاهتمام بالخبر وليس لرد إنكار.
والتبع : اسم لمن يتبع غيره ، يستوي فيه الواحد والجمع ، وهو مثل خدم وحشم لأن أصله مصدر ، فلذلك استوى فيه الواحد والجمع ، وقيل التبع : جمع لا يجري على الواحد ، فهو إذن من الجموع النادرة.