والواو في قوله : (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ) لم يعرج المفسرون على موقعها. وهي واو العطف عطف بها (خزنة جهنم) كلامهم على كلام الذين في النار من قبيل طريقة عطف المتكلم كلاما على كلام صدر من المخاطب إيماء إلى أن حقه أن يكون من بقية كلامه وأن لا يغفله ، وهو ما يلقب بعطف التلقين كقوله تعالى : (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [البقرة : ١٢٤] فإن أهل النار إذا تذكروا ذلك علموا وجاهة تنصل خزنة جهنم من الشفاعة لهم ، وتفريع (فَادْعُوا) على ذلك ظاهر على كلا التقديرين. وهمزة الاستفهام مقدمة من التأخير على التقديرين ، لوجوب صدارتها.
وجملة (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) يجوز أن تكون من كلام خزنة جهنم تذييلا لكلامهم يبين أن قولهم : (فَادْعُوا) مستعمل في التنبيه على الخطأ ، أي دعاؤكم لم ينفعكم لأن دعاء الكافرين في ضلال والواو اعتراضية ، ويجوز أن تكون من كلام الله تعالى تذييلا واعتراضا.
والبينات : الحجج الواضحة والدعوات الصريحة إلى اتباع الهدى. فلم يسعهم إلا الاعتراف بمجيء الرسل إليهم بالبينات فقالوا : بلى فرد عليهم خزنة جهنم بالتنصل من أن يدعوا الله بذلك ، إلى إيكال أمرهم إلى أنفسهم بقولهم : (فَادْعُوا) تفريعا على اعترافهم بمجيء الرسل إليهم بالبينات.
ومعنى تفريعه عليه هو أنه مفرع عليه باعتبار معناه الكنائي الذي هو التنصل من أن يدعوا لهم ، أي كما توليتم الإعراض عن الرسل استبدادا بآرائكم فتولّوا اليوم أمر أنفسكم فادعوا أنتم ، فإن «من تولى قرها يتولّى حرّها» ، فالأمر في قوله : (فَادْعُوا) مستعمل في الإباحة أو في التسوية ، وفيه تنبيه على خطإ السائلين في سؤالهم.
وزيادة فعل الكون في (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ) للدلالة على أن مجيء الرسل إلى الأمم أمر متقرر محقّق ، لما يدل عليه فعل الكون من الوجود بمعنى التحقق ، وأما الدلالة على أن فعل الإتيان كان في الزمن الماضي فهو مستفاد من (لم) النافية في الماضي.
والضلال : الضياع ، وأصله : خطأ الطريق ، كما في قوله تعالى : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [السجدة : ١٠].
والمعنى : أن دعاءهم لا ينفعهم ولا يقبل منهم ، وسواء كان قوله : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) من كلام الملائكة أو من كلام الله تعالى فهو مقتض عموم دعائهم