والآخرة ، ومن المتعين أنهم الفريق المعاند للرسل وللمؤمنين ، فنصر الرسل والمؤمنين عليهم في الدنيا بإظهارهم عليهم وإبادتهم ، وفي الآخرة بنعيم الجنة لهم وعذاب النار لأعدائهم.
والتعبير بالمضارع في قوله : (لَنَنْصُرُ) لما فيه من استحضار حالات النصر العجيبة التي وصف بعضها في هذه السورة ووصف بعض آخر في سور أخرى تقدم نزولها ، وإلا فإن نصر الرسل الذين سبقوا محمدا صلىاللهعليهوسلم قد مضى ونصر محمد صلىاللهعليهوسلم مترقّب غير حاصل حين نزول الآية. وتأكيد الخبر ب (إنّ) وبجعل المسند فعليا في قوله : (لَنَنْصُرُ) مراعى فيه حال المعرّض بهم بأن الله ينصر رسله عليهم وهم المشركون لأنهم كانوا يكذبون بذلك.
وهذا وعد للمؤمنين بأن الله ناصرهم على من ظلمهم في الحياة الدنيا بأن يوقع الظالم في سوء عاقبة أو بأن يسلط عليه من ينتقم منه بنحو أو أشدّ مما ظلم به مؤمنا.
والأشهاد : جمع شاهد. والقيام : الوقوف في الموقف. والأشهاد : الرسل ، والملائكة الحفظة والمؤمنون من هذه الأمة ، كما أشار إليه قوله : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة : ١٤٣] ، وذلك اليوم هو يوم الحشر ، وشهادة الرسل على الذين كفروا بهم من جملة نصرهم عليهم وكذلك شهادة المؤمنين.
و (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) بدل من (يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) وهو منصوب على البدلية من الظرف. والمراد بالظالمين : المشركون. والمعذرة اسم مصدر اعتذر ، وتقدم عند قوله تعالى : (قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) في سورة الأعراف [١٦٤].
وظاهر إضافة المعذرة إلى ضميرهم أنهم تصدر منهم يومئذ معذرة يعتذرون بها عن الأسباب التي أوجبت لهم العذاب مثل قولهم : (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا) [الأعراف : ٣٨] وهذا لا ينافي قوله تعالى : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٣٦] الذي هو في انتفاء الاعتذار من أصله لأن ذلك الاعتذار هو الاعتذار المأذون فيه ، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : فيومئذ لا تنفع (الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ) في سورة الروم [٥٧].
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي وخلف (لا يَنْفَعُ) بالياء التحتية لأن الفاعل وهو «معذرة» غير حقيقي التأنيث وللفصل بين الفعل وفاعله بالمفعول. وقرأ الباقون بالتاء الفوقية على اعتبار التأنيث اللفظي.