بأن ما جهلوه سيتحققونه يومئذ كقول الناس : ستعرف منه ما تجهل ، قال أبو علي البصير:
فتذم رأيك في الذين خصصتهم |
|
دوني وتعرف منهم ما تجهل |
وحذف مفعول (يَعْلَمُونَ) لدلالة (كَذَّبُوا بِالْكِتابِ) عليه ، أي يتحققون ما كذبوا به. والظرف الذي في قوله : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) متعلق ب (يَعْلَمُونَ) أي يعلمون في ذلك الزمن. وشأن (إذ) أن تكون اسما للزمن الماضي واستعملت هنا للزمن المستقبل بقرينة (سوف) فهو إما استعمال المجاز بعلاقة الإطلاق ، وإما استعارة تبعية للزمن المستقبل المحقق الوقوع تشبيها بالزمن الماضي وقد تكرر ذلك. ومنه اقترانها ب (يوم) في نحو قوله : (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) [الزلزلة : ٤] ، وقوله : (يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) [الروم : ٤ ، ٥]. وأول ما يعلمونه حين تكون الأغلال في أعناقهم أنهم يتحققون وقوع البعث.
والأغلال : جمع غل ، بضم العين ، وهو حلقة من قدّ أو حديد تحيط بالعنق تناط بها سلسلة من حديد ، أو سير من قدّ يمسك بها المجرم والأسير.
والسلاسل : جمع سلسلة بكسر السينين وهي مجموع حلق غليظة من حديد متصل بعضها ببعض.
ومن المسائل ما رأيته أن الشيخ ابن عرفة كان يوما في درسه في التفسير سئل : هل تكون هذه الآية سندا لما يفعله أمراء المغرب أصلحهم الله من وضع الجناة بالأغلال والسلاسل جريا على حكم القياس على فعل الله في العقوبات كما استنبطوا بعض صور عقاب من عمل قوم لوط من الرجم بالحجارة ، أو الإلقاء من شاهق. فأجاب بالمنع لأن وضع الغل في العنق ضرب من التمثيل وإنما يوثق الجاني من يده ، قال : لأنهم إنما قاسوا على فعل الله في الدنيا ولا يقاس على تصرفه في الآخرة لنهي النبي صلىاللهعليهوسلم عن الإحراق بالنار ، وقوله : «إنما يعذب بها رب العزة».
وجملة (يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ) حال من ضمير (أَعْناقِهِمْ) أو من ضمير (يَعْلَمُونَ). والسّحب : الجرّ ، وهو يجمع بين الإيلام والإهانة. والحميم : أشد الحرّ.
و (ثمّ) عاطفة جملة (فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) على جملة (يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ). وشأن (ثمّ) إذا عطفت الجمل أن تكون للتراخي الرتبي وذلك أن احتراقهم بالنار أشد في تعذيبهم من سحبهم على النار ، فهو ارتقاء في وصف التعذيب الذي أجمل بقوله : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) والسّجر بالنار حاصل عقب السحب سواء كان بتراخ أم بدونه.