(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة : ١٤٣] ولا هو نظير قوله المتقدم (كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) [غافر : ٦٣].
وقوله : (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ) تكملة القيل الذي يقال لهم حين إذ الإغلال في أعناقهم. والإشارة إلى ما هم فيه من العذاب. و (ما) في الموضعين مصدرية ، أي ذلكم مسبب على فرحكم ومرحكم اللذين كانا لكم في الدنيا ، والأرض : مطلقة على الدنيا.
والفرح : المسرة ورضى الإنسان على أحواله ، فهو انفعال نفساني. والمرح ما يظهر على الفارح من الحركات في مشيه ونظره ومعاملته مع الناس وكلامه وتكبره فهو هيئة ظاهرية.
و (بِغَيْرِ الْحَقِ) يتنازعه كل من (تَفْرَحُونَ) و (تَمْرَحُونَ) أي تفرحون بما يسركم من الباطل وتزدهون بالباطل فمن آثار فرحهم بالباطل تطاولهم على الرسولصلىاللهعليهوسلم ، ومن المرح بالباطل استهزاؤهم بالرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، قال تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا) فاكهين [المطففين : ٣٠ ، ٣١]. فالفرح كلما جاء منهيا عنه في القرآن فالمراد به هذا الصنف منه ، كقوله تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص : ٧٦] لا كلّ فرح ، فإن الله امتنّ على المؤمنين بالفرح في قوله: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) [الروم : ٤ ، ٥]. وبين (تَفْرَحُونَ) و (تَمْرَحُونَ) الجناس المحرّف.
وجملة (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) يجوز أن تكون استئنافا بيانيا لأنهم لما سمعوا التقريع والتوبيخ وأيقنوا بانتفاء الشفيع ترقبوا ما ذا سيؤمر به في حقهم فقيل لهم (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) ، ويجوز أن تكون بدل اشتمال من جملة (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ) إلخ ، فإن مدلول اسم الإشارة العذاب المشاهد لهم وهو يشتمل على إدخالهم أبواب جهنم والخلود فيها.
ودخول الأبواب كناية عن الكون في جهنم لأن الأبواب إنما جعلت ليسلك منها إلى البيت ونحوه. و (خالِدِينَ) حال مقدرة ، أي مقدرا خلودكم.
وفرع عليه (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) ، والمخصوص بالذم محذوف لأنه يدل عليه ذكر جهنم أي فبئس مثوى المتكبرين جهنم ، ولم يتصل فعل (بئس) بتاء التأنيث لأن فاعله في الظاهر هو (مَثْوَى) لأن العبرة بإسناد فعل الذم والمدح إلى الاسم المذكور بعدهما ،