قوله : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) [غافر : ١٨] ثم قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) [غافر : ٢١] وما بعده ، فلما حصل الوعد بالانتصاف من مكذبي النبي صلىاللهعليهوسلم في الدنيا والآخرة ، أعقب بقوله : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) فإن مناسبة الأمر بالصبر عقب ذلك أن يكون تعريضا بالانتصار له ولذلك فرع على الأمر بالصبر الشرط المردّد بين أن يريه بعض ما توعدهم الله به وبين أن لا يراه ، فإن جواب الشرط حاصل على كلتا الحالتين وهو مضمون (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) أي أنهم غير مفلتين من العقاب ، فلا شك أن أحد الترديدين هو أن يرى النبي صلىاللهعليهوسلم عذابهم في الدنيا.
ولهذا كان للتأكيد ب (إنّ) في قوله : (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) موقعه ، وذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين استبطئوا النصر كما قال تعالى : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) [البقرة : ٢١٤] فنزلوا منزلة المتردد فيه فأكد وعده بحرف التوكيد. والتعبير بالمضارع في قوله : (يُرْجَعُونَ) لإفادته التجدد فيشعر بأنه رجوع إلى الله في الدنيا.
وقوله : (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) شرط ، اقترن حرف (إن) الشرطية بحرف (ما) الزائدة للتأكيد ولذلك لحقت نون التوكيد بفعل الشرط. وعطف عليه (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) وهو فعل شرط ثان. وجملة (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) جواب لفعل الشرط الثاني لأن المعنى على أنه جواب له. وأما فعل الشرط الأول فجوابه محذوف دل عليه أول الكلام وهو قوله : (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) وتقدير جوابه : فإما نرينك بعض الذي نعدهم فذاك ، أو نتوفينك فإلينا يرجعون ، أي فهم غير مفلتين مما نعدهم.
وتقدم نظير هذين الشرطين في سورة يونس إلا أن في سورة يونس [٤٦] (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) وفي سورة غافر (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) ، والمخالفة بين الآيتين تفنن ، ولأن ما في يونس اقتضى تهديدهم بأن الله شهيد على ما يفعلون ، أي على ما يفعله الفريقان من قوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) [يونس : ٤٢] وقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) [يونس : ٤٣] فكانت الفاصلة حاصلة بقوله : (عَلى ما يَفْعَلُونَ) [يونس : ٤٦] ، وأما هنا فالفاصلة معاقبة للشرط فاقتضت صوغ الرجوع بصيغة المضارع المختتم بواو ونون ، على أن (مَرْجِعُهُمْ) [يونس : ٤٦] معرف بالإضافة فهو مشعر بالمرجع المعهود وهو مرجعهم في الآخرة بخلاف قوله : (يُرْجَعُونَ) المشعر برجوع متجدد كما علمت.
والمعنى : أنهم واقعون في قبضة قدرتنا في الدنيا سواء كان ذلك في حياتك مثل